أصابعي وأصابعهم

لقناطر السنوات وظيفة مهمة لدى سيدات البيوت؛ فهي تحملهن على التخلص من بعض الأشياء غير الضرورية في بيوتهن.

حملة التنظيف لاستقبال الشتاء، الصيف أو العيد، توفر فرصة للانعتاق مؤقتاً من عبادة الكراكيب، التي مارسنها على مدار العام.

ومثل ربة بيت مهذبة، استغللت عطلة رأس السنة الهجرية اليوم في حملة تنظيف لذاكرة الكمبيوتر، الذي ألاحظ منذ مدة أنه يستجمع وعيه بصعوبة كلما وخزته لأوقظه.

هالني حجم ما أحتفظ به من ملفات. كل هذه الثرثرات ارتكبتها الألسن المُرّكبة في أصابعي؟!

لا أتوهم أهمية لما أكتب، ولا أعرف أي نفع يمكن أن أجنيه من وراء مقالات صحافية، وأخبار وتحقيقات وحوارات أجريتها مع بؤساء مثلي، لكنها كلها تنام في ظلمة ذاكرة الكمبيوتر، وتثقل رأس الجهاز التعيس.

images
الأسوأ والأثقل ـ على ذاكرة الكمبيوتر ـ من هذيان أصابعي، هو هذيان أصابع الآخرين، الذين التقطوا لي الكثير من الصور

الأسوأ والأثقل ـ على ذاكرة الكمبيوتر ـ من هذيان أصابعي، هو هذيان أصابع الآخرين، الذين التقطوا لي الكثير من الصور بتأثير إغواء السهولة والمجانية، التي توفرها الكاميرا الرقمية المستغنية عن ظلام غرف التحميض، وتنتقل مباشرة من الكاميرا إلى الكمبيوتر.

ليلة كاملة، قضيت نصفها في تذوق بدايات المقالات عديمة النفع، ومحاولة تذكر ظروف كتابتها، والنصف الآخر في تأمل الصور واستجماع مناسبات التقاطها، لا استحساناً ولا استقباحاً، وإنما لتتبع درجة اعوجاج فمي التي تصاحب كل ومضة فلاش.

لاحظت أن درجة الاعوجاج أخذت تتناقص ملفاً بعد آخر. انتبهت إلى أن وجهي صار أقرب إلى الثبات في الصور الأحدث، فأصابني خوف على تبدد خوفي. كيف سأكتب بعد أن صارت روحي خارجية إلى هذا الحد؟!