التعري في الليل

المطارات مقياس لسعادة الشعوب،لا يضلل؛ مقياس لما ينتظر المسافر من سعادة أو حزن. وفي الليل يصبح المقياس أكثر دقة؛ فلا يمكن أن تضلله خضرة المهبط ولا فخامة الصالات أو اتساعها أو حداثتها، رائحة الحرية والقمع تتكثف في الليل، وتحت ستره ينكشف معدن البشر الذين يديرون المطارات؛  يتركون أحبال بهائم أرواحهم على غواربها وتنطق أجسادهم بما تنطوي عليه من عزة أو هوان، من انضباط الموظف العمومي أو انفلات عضو المافيا.

قسمة الحرية والتحقق الإنساني تكشفها أجساد العاملين الليليين، بأكثر من أجساد عمال النهار. في المطارات السعيدة قد تعجبك عاملة النظافة بأكثر مما تستطيع ضابطة الجوازات أو موظفة الطيران، القسمة أقرب إلى العدل في الأرواح والأجساد، الجمال لا يدخل البورصة إلا قليلاً، والاعتزاز بالنفس يشمل كل مستويات العاملين بالمطار. في المطارات الحزينة يسري تخريب الدكتاتور في النهار والليل. تعيش الوظائف العليا في لحم خفيف سعيد، بينما تجر أغلبية المهن الدنيا لحمًا حزينًا.

تختزن أجساد سلطة المطار فائض الحرية، يحمل عمال النظافة والحراس فائض الخوف. ضابط الجوازات له صلافة إله يستجوب مسافر الليل الذي بلا حول ولا قوة. عامل النظافة شبح خارج من روايات دوستويفسكي، على الرغم من واقعية لسانه المتطوع بالنصيحة ويده الممدودة للصدقة.

لا تسافروا في رحلات الليل إلى المطارات السعيدة خصوصًا إن كنتم فلسطينيين أو عراقيين أو سوريين أو يمنيين أو ليبيين إلا إذا تسلحتم بجوازات سفر أوروبية؛ لأن آلهة الجوازات في تلك المطارات لديها سلطة الطرد من الجنة.

ولا تسافروا في رحلات الليل إلى المطارات الحزينة، أيًا كانت الجنسيات التي تحملون؛ لأن موظفي  الجمارك في تلك المطارات تسليتهم الليلية فتح الحقائب ورؤية ما فيها، بلا داع أو ضرورة، اللهم  إلا ضروة المساواة مع ضباط الداخل، حيث يكون  العبث بحقيبة المسافر مساويًا للعبث ببيت المقيم.

لكن الفروق بين المطارات السعيدة والحزينة في الليل والنهار آخذة بالتقلص كلما تقدمت صناعة الريبة بين الشعوب التي تجيدها الحكومات, وقد أصبح التعري والنبش في الأمتعة سمة مشتركة توحد مطارات الكوكب.

توم هانكس، أو فيكتور نافورسكي ، أنوثة الغريب، ذكورة الضابطة.
توم هانكس، أو فيكتور نافورسكي ، أنوثة الغريب، ذكورة الضابطة.