الحكمة والموعظة بين ريهام سعيد وعلي جمعة!

لم تكد طوابير القتلى والنازحين تطمس أثر حلقة ريهام سعيد عن توحش اللاجئين السوريين، حتى خرج علينا الشيخ علي جمعة المفتي السابق بحلقة تليفزيونية لا تقل روعة وترويعًا، يقدم فيها الوجه الديني للمقولة التي يكافح الإعلام لفرضها وهي تخوين وتأثيم ثورة 25 يناير.

السيدة ـ وحلقتها المعنية مشهورة ـ حملت بعض المساعدات في صندوق شاحنة من قضبان يتطابق مع شكل السجن، وتركتها أمام تجمع للاجئين السوريين وأخذت تصور تدافعهم وتسلقهم لأسوار الشاحنة، بينما تصف صراعهم على المعونة بالهمجية، لتصل إلى الخلاصة “هذا يا مصريين مصير الشعوب التي فرطت في أوطانها”.

ومن السهل الرد على المدعوة عمليًا بشاحنة من نفس الطراز، لا تقف في الدويقة أو في قرية، بل في شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، لكي ترى أن الصراع نفسه يمكن أن يدور بين مصريين لم يتعرضوا لمحنة اللجوء. لكن من الصعب أن تُقنع من اختاروا  السيدة لوظيفتها الحساسة  أن السوريين لم يُفرطوا في وطنهم عندما ثاروا في مارس 2011، وأن عسكرة انتفاضتهم السلمية تمت بمشاركة النظام نفسه، وأن الشعب المصري لا يجب أن يوعظ بالسذاجة التي تخلت عنها برامج الأطفال منذ عقود طويلة.

ولا يمكن أن تناقش السيدة وهي من هي، إذا كان هناك سيد، هو شيخ معمم، يقدم حلقة لا تقل ترويعًا، تقدم الموعظة نفسها، لكن بحكمة وطنية دينية. وخلاصتها حُرمة الخروج على السيسي حتى لو ظلم وسجن وسلب الممتلكات. لماذا يا مولانا؟ لأن الله هو الذي يختار.  اختار القذافي ليحكم ليبيا 42 عامًا، وهو الذي اختار لنا الرئيس “لا الصناديق ولا الشعب”. ألست آثمًا يا مولانا لأنك كنت تدرك أن الله سيختار، ولم تنصح بإلغاء الانتخابات الرئاسية توفيرًا للنفقات؟ ألست آثمًا إذا كنت تدرك أن الله سيختار نواب الوطني للبرلمان القادم ولم تطالب بتوفير التكاليف القادمة من الأموال والأنفس؟!

إيمان الشيخ قضية نافلة عندما يتعلق الأمر بمستقبل شعب. على أن الشيخ لم يؤد وظيفته على الوجه المرسوم؛ فقد اختار أن يخسر دفاعه عن الرئيس، عندما جمعه مع القذافي. أما قضيته الإيمانية فقد اجتهد في طرح الأسانيد ليوصل المشاهد إلى كفر مطمئن!

الرجل في فورة حماسه قال بأن الخروج على القذافي كان خطأ؛ لأن الله وضعه ليختبر قدرته على حمل الأمانة”. وهذا الكلام يتعارض مع ثلاث من صفات الله على الأقل: “الحكمة، العدل والرحمة” فليس من حكمة الله ولا عدله ولا رحمته أن يُعذب شعبًا لأربعة عقود من أجل  اختبار قدرة رجل واحد على حمل الأمانة، بينما كان بوسعه اختباره في رعاية قطة. وليس من حكمة الله وعدله ورحمته أن يحاسب مجنونًا.

ربما تفتح قضية جنون القذافي جدلاً خارج الموضوع، لكن يكفي أن ينسب الشيخ إلى الله الدعوة إلى الخنوع، لكي ندرك خطورة حديثه لا على الدنيا فحسب، بل على الدين كذلك.

بالمنطق الديني نفسه يمكن تفنيد رأي الشيخ وإثبات عواره، لكن هذه الأرضية خطيرة. ويكفي أن نقول للشيخ: إن هذا التلبيس الذي تمارسه يدخل في باب الإسلام السياسي، وقد رفضناه من الإخوان ولا ينبغي أن نقبله منك.

والأهم أننا لم نعد ننتظر إصلاحًا للإعلام، وغاية أملنا أن يتوقف انحداره عند نقطة ويصل إلى قعر يمكن القياس عليه!

______________________________________________

نشر بالمصري اليوم (الثلاثاء 13أكتوبر)

http://www.almasryalyoum.com/news/details/825763

https://www.youtube.com/watch?v=VR0eLbtht90