الهوس بالخفة يجعل حياة الكائن المولع بالسفر أقل اكتمالاً من حيوات كل المسافرين.
على الرغم من أنه لم يعمل حمالاً من قبل، إلا أن وزن الحقيبة هو أكثر ما يؤرقه قبل السفر؛ سيرتدي بنطلون الجينز لأنه الأكثر قدرة على التحمل ويكفي لأسبوع، لكنه سيحمل ـ من باب الاحتياط ـ بنطلون كتان لأنه الأخف وزنًا بين كل أنواع النسيج. سيكتفي بألوان محددة من القمصان تنسجم مع لون الحذاء الأكثر خفة وراحة، سيوفر نحو الكيلو جرام إذا اشترى أدوات النظافة الشخصية بعد وصوله بدلاً من حملها، حتى الكتاب الذي يمكن أن يحمله، الأولوية عند اختياره للوزن.
يعتقد مجنون الخفة أن وزن الحقائب يشبه طقس وزن الأعمال يوم الحشر، ويشعر بالتيه عندما يرى موظف شركة الطيران وزن حقيبته على الميزان ويسأله إن كان يحب أن يصعد بها إلى الطائرة. يبتهج المجنون للسؤال مثل مؤمن نال حرية اختيار مقعده من الجنة، يفاضل بين ترك الحقيبة في مخزن العفش والتمتع بمزيد من الحرية في وقت الانتظار وبين التمسك بها للخروج بسرعة من مطار الوصول.
لا قوة يمكن أن تجعل المجنون يتزحزح عن هذه الخفة التي يدفع ثمنها آجلاً في كل مرة. قد يحتاج إلى كتابة نص على الكمبيوتر لا يمكن أن يكتبه على الآيباد بإمكانياته المحدودة، وقد يضطر إلى حضور لقاء يتأنق فيه الجميع ويبدو بينهم حارسًا لأحدهم، وقد تصطك أسنانه في سهرة لأنه لم يحمل ما يكفي من ملابس شتوية لمواجهة البرد، أما أسوأ ما يواجهه؛ فهو ألا يتمكن من شراء أدوات النظافة الشخصية في اليوم الأول. ويستطيع مجنون الخفة تحمل طول لحيته يومًا إضافيًا ويستطيع ألا يستخدم العطر سفرة كاملة، ، لكنه يؤمن إيمانًا صادقًا بأن امتلاك فرشاة أسنان هو أسمى معاني الحرية، وغيابها يبدد كل الإحساس بالحرية الذي كسبه بخفة الحقيبة.
ولهذا فقد أقنع نفسه بأن فرشاة الأسنان ليست ثقيلة إلى الحد الذي يبرر التردد قبل دسها في جيب الحقيبة.وهكذا استعاد بعضًا من أمانه في السفر.