عندما طلبت من صديقي المبرمج محمد عزت القمحاوي أن ينشيء لي مدونة، سألني باستغراب: مدونة الآن؟ !
محمد كان من أوائل المدونين، لديه واحدة اسمها “نصر مصر” وعندما تيقن من الاستحالة انصرف عنها (عن المدونة أقصد). وبرأيه أن المدونات كانت موضة سريعة الزوال مثل أحذية الرجال ذات الكعب العالي وبنطلونات الشارلستون التي لم يرها إلا في السينما.
ولكنني حافظت على عنادي حتى استجاب وبنى لي هذه المتاهة الصغيرة وأعطاني مفاتيحها. وها أنا أمضي في تأثيث بيت اندثرت موضته أو كادت، ولديّ أسبابي.
لقد نضجت في قلبي خلال السنوات القليلة الماضية أشواق إلى حرية لم أحصل عليها؛ حلم بالسكن في بيت مستقل، بينما أعيش في عمارة سكنية أمد فيها ساقي وأرفع فيها صوتي بالقدر الذي لا يزعج الآخرين. وأكتب في صحف أمد فيها قامة مقالي بالقدر الذي يحافظ على مساحات الآخرين؛ أقص الزائد التزامًا بعدد الكلمات، وأحيانًا أمط ساقيّ مقالي لأملأ المساحة المخصصة له. أكتب ما يمكن السماح به امتثالاً لحدود حرية المطبوعة والتزامًا مهنيًا بطبيعة الزاوية المخصصة لي؛ فلا يمكن أن أسترسل في تأملات ذاتية داخل صفحة رأي بجريدة. حدود الحرية في الكتاب هي نفسها التي أعرفها في الجريدة. ولم يأت مرور الزمن بالتغيير سوى للأسوأ.
لماذا إذن لا تتملكني الرغبة في امتلاك بيت افتراضي؟!
عبر هذا البيت “الموضة القديمة” يمكنني أن أمارس الحرية وأكتب على هواي؛ مقالاً من كلمتين أو سبع أو سبعة آلاف أو سبعين ألف كلمة. ويمكنني أن أكتب تأملاً خاصًا أو أحكي حكاية أو أعلن رأيًا أو أعرض بعضًا من أجمل قراءاتي. باختصار اكتشفت أن طموحي هو العودة إلى الحرية التي عشت بهجتها ذات لعب أصبح فيما بعد كتابي “الأيك في المباهج والأحزان” ومن هنا كانت عودتي للعنوان نفسه، أضعه على خد مدونتي. من بين معاني الأيك بالطبع “الشجر الكثيف الملتف” وأنا أنوي ممارسة لعبة الالتفاف على الأنواع الأدبية والمعاني، أنوي مشاركة قارئ صبور متعة اقتسام تفاحة، أو بالأحرى مانجو الغواية.