خلطة مدهشة من المشاعر، عرفها ثوار 25 يناير عندما أعلن عمر سليمان تنحي مبارك مساء 11 فبراير 2011، الفرح ذائب في الحزن، الراحة مختلطة بالتعب، الرغبة في الاحتفال مع الرغبة في الحداد، أحلام الأمل مع كوابيس الرعب. وفي في ظل اضطراب المشاعر ذاك وقف اللواء محسن الفنجري يوم 11 فبراير يلقي البيان الثالث للثورة، الأول بعد تسلم المجلس العسكري السلطة. وعند ذكر الشهيد صمت عن الكلام، وشد قامته لتصبح أكثر استقامة ومهابة، ورفع كفًا بأصابع خمسة تحية للشهيد.
زاد اللواء من خلطة الحلو الحامض، وأسال دموع الملايين، دموع ملغزة هي الأخرى، فيها الفرح بنجاح الثورة، فيها الحزن على الراحلين الذين ستجلل رقدتهم بغبطة التقدير الذي نالوه من القوات المسلحة المصنع الأصلي للشهداء.
ولم يمض على هذه التحية الكثير من الوقت حتى اختفى اللواء. وسرت الشائعات بأن اللواء الذي عظّم الشهيد مغضوب عليه ومحددة إقامته. ثم جاءت الأخبار لتؤكد مرض اللواء؛ فأنشأ الشباب صفحات على الفيسبوك ضمت عشرات الآلاف للدعاء له بالشفاء، هل يمكن أن تصل الدعوات من الفضاء الإلكتروني؟!
لعلها وصلت؛ فقط تعافى اللواء من الحجب وظهر مجددًا ليلقي بيان تسفيه للثوار أو المشار إليهم رمزًا بـ “الذين يعبثون بأمن الوطن ويغلبون مصالحهم الضيقة على مصالحه”. اختار المجلس العسكري اللواء الذي مجّد الشهيد ليلقي ببيان التهديد؛ فيعرف الثوار أن التالي أسوأ. وظهر الرجل عصبيًا. وبإصبع واحدة هدد الشهداء الأحياء، المتمسكين بمطلبهم المشروع: محاكمة القتلة.
إصبع التهديد لم تكن حكرًا على رجل القوات المسلحة، فقد كانت للمدني جمال مبارك أصابع تهدد دون أن يكون له منصب رسمي، وكذلك جرد الرئيس الإخواني محمد مرسي إصبعه في وجه المحتجين ببورسعيد، عقب الحكم في قضية مذبحة الستاد الرياضي. حركة الأصابع المدكوكة كان تهديدها واضحًا حتى أن التليفزيوني باسم يوسف جعلها تطلق رصاصًا في تصعيد ساخر للغة الجسد التي استخدمها مرسي بإفراط في ذلك الخطاب وبتسيب خلال لقائه مع رئيسة وزراء البرازيل عندما هرش الموضع الحساس عند التقاء فخذيه.
لكن علاقته بالأصابع لم تقف عند حد التهديد والوعيد الذي تضمنه حركاته، بل وصلت إلى حد العيب لفظيًا، إذ كرر في أكثر من مناسبة التنديد بـ “الأصابع التي تلعب في مصر” فهل غاب المعنى الجنسي عن الرجل المولود والعائش حياته كلها في الأوساط الشعبية، أم كانت هذه وسيلته اللفظية للتنكيل ببلد لم ينج من التنكيل البدني؟
لم يعد مرسي وأصابعه ومغزاها موضوعًا للحيرة، لأن فُرص عودته تساوي صفرًا، فقد دار الزمان دورته، ولدينا الآن أصابع السيسي المضمومة غالبًا، والمهددة نادرًا، لكن القدرة على كبح غضب الأصابع لا تسري على سائر أعضاء الجسد.