هذا المقال منشور بجريدة “المصري اليوم” يوم الثلاثاء 9 يونيو 2015
وصلت أزمة المحامين والشرطة إلى نهايتها السعيدة السبت الماضي، بعد اعتذار الرئيس السيسي للمحامين وقبول المحامين للاعتذار بسعادة غامرة.
هذه النهاية السعيدة وضعت حدًا للعرض العنيف على مدار خمسة أيام من الاحتجاجات النقابية وتعطيل العمل بالمحاكم نهارًا وصخب الـ “توك شو” ليلاً ونهارًا، لكن هذا لن يضع حدًا لمشكلات الشرطة مع المواطنين، بل مع نقابة المحامين ذاتها، إذا كان كل ما يهم نقابة رأي كهذه هو كرامة محام هنا أو هناك. وقد غاب وسط عنف المعركة وصخب النصر سؤالان أساسيان.
السؤال الأول: هل قدم الرئيس اعتذاره بصفته المواطن عبدالفتاح السيسي أم بصفته رئيس مصر؟
إذا كان المعتذر هو المواطن السيسي؛ فهذا شأنه وشأن المحامين. وإذا كان الاعتذار صادر عن الرئيس عبدالفتاح السيسي فهو اعتذار باسم أكثر من ثمانين مليون مصري. وهؤلاء بينهم من لا يحبذ سهولة اعتذار الرئيس عن أفعال موظفين بالدولة وإعلاميين بالفضائيات الخاصة ومتحرشين بالشارع. وهذا الصنف من المواطنين النكداء ـ وبينهم كاتب هذه السطور ـ يرى أن هيبة الدولة تقتضي وضع قواعد وأكواد للوظائف والمهن. وهذا المطلب يقودنا للسؤال الثاني والمحوري: هل الحادث فردي أم متكرر؟
الجواب المعروف للقاصي والداني أن الحادث متكرر، بل يجري الحديث الآن عن حالات اختفاء لشباب لا يعلم أهلهم عنهم شيئًا، وهذا أوجب للاعتذار، فالأم التي لا تعرف إن كان ابنها حيًا أم ميتًا وضعها أصعب مليون مرة من مواطن ضُرب بالحذاء وعاد لينام في مكان معلوم، سواء نام في سريره أو سرير المستشفى.
والحال أن وزير الداخلية، أشار في تصريحات أخيرة له إلى أن الشرطة “تسهر على أمن الوطن ولا تلتفت إلى من يحاولون تشويه صورتها”. أي أنه مثله مثل كل من سبقوه، لا يلقي بالاً للانتقادات ويصر على أن الشرطة ملائكة، بينما في المجتمع من يعتبرهم شياطين. والواقع أن ضباط وأفراد الشرطة هم بشر مثلنا، أي خلطة من ملائكة وشياطين، ولهذا ابتدعت الدول القوانين. وما يحل المعضلة هو وضع كود لعمل الجهاز، يحمي الشرطي قبل أن يحمي المواطن، ويحمي بنية الدولة ذاتها.
وإذا نظرنا إلى واقعة فارسكور؛ فالثابت أن المحامي لم يتصرف بمهنية؛ فهو حسب روايته “كان يمازح موكله ورجل الشرطة الذي يحرر المحضر” وأما في أقوال الشرطة فإن المحامي ومن معه كانوا يتشاجرون.
وعلى كلً؛ فالقسم ليس مكانًا للمزاح ولا للشجار. ولو كان الشرطي واعيًا بهذه الحقيقة لكانت نظرة حازمة منه ـ باعتباره ممثلاً للدولة ـ تضع الأمور في نصابها وتقطع المزاح والخناق، فإن لم يرتدع المواطن تُتخذ بحقه الإجراءات القانونية. وبوسع أصغر شرطي سنًا ورتبة أن يقول للمحامي الستيني “سأتخذ الإجراء القانوني بحق حضرتك” وهذا أفضل من توجيه الإهانة الشخصية “اخرج ياله”. والأسوأ من إهانة الضابط للمحامي هو التصرف وكأن القسم ملكية خاصة للضابط يطرد منه من يريد. وإذا كان طرد المحامي ومرافقيه بسبب شجارهم حقًا، فهذا يعني أن نائب المأمور أراد أن يلقي بمشكلة إلى خارج جدران القسم، بينما من واجبه أن يتدخل فيها إذا صادفته في الشارع!
لكل هذا فإن النهاية السعيدة، لمثل هذه الخناقة في فيلم، لا تصلح نهاية للخناقة الواقعية، التي لن يحلها إلا وجود كود لعمل الشرطة؛ يحمي سمعتها، ويحمي كرامة المواطن، ويقلل من حاجة الرئيس للاعتذار.