وجدت الاحتجاجات ضد الشرطة في الفن شعارها “مفيش حاتم بيتحاكم” عودة إلى شخصية حاتم الشرطي في نبوءة يوسف شاهين الأخيرة “هي فوضى” وفي الوقت نفسه التي خرجت فيه المظاهرات من قرى الأقصر غضبًا من مقتل المواطن طلعت شبيب تحت التعذيب كان مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية عن استشهاد أربعة من الشرطة في هجوم إرهابي بقرية أبو النمرس. ولم يحظ الإعلان عن اهتمام، وهذا مؤسف.
السؤال المنطقي هو: لماذا وضعت الشرطة نفسها منذ 30 يونيو في مواجهة فئات تتسع من الشعب، في خضم انشغالها بالحرب مع الإرهاب؟
ليس من مسئوليات الكاتب ولا يليق بكاتب أن ينصح نظامًا بترتيب عملية الإجهاز على خطومه، لكن مسئولية النظام السياسي مجتمعًا تجاه نفسه ومسئولية الداخلية نفسها تجاه النظام وتجاه رجالها أن تراجع الغطرسة التي تتعامل بها، وكأنها في ثأر مع شعب متهم بالثورة!
هذه المراجعة التي تبدو سهلة، يبدو أنها لا تبدو كذلك من داخل النظام، وبالنتيجة أصبحت الشرطة موضوعنا الشاغل: لا البطالة ولا هروب السياحة ولا انهيار التعليم ولا شيء. لا شيء إلا وجه الشرطة قاتلة أو مقتولة، فالجهاز مجرم في نظر أهالي ضحايا القتل تحت التعذيب وضحايا الاختفاء القسري وبالطبع كل أصحاب الميول الإخوانية، أما الشرطة نفسها وأهالي المقتولين من أبنائها بفعل العمليات الإرهابية فيرونها بالتأكيد جهازًا وطنيًا يموت يموت ليحيا الوطن بسكانه الرمم.
ولو اقتصر الانقسام على الشرطة وعائلاتها من جهة وأهالي ضحاياها من المواطنين سواء من دخلوا الأقسام في نزاعات عادية أو المعتقلين السياسيين لهان الأمر، لكن بقية التسعين مليون مصري مجبرون على الاختيار.
فما الذي يستطيع المواطن المصري عمله إذا لم يكن من أهالي ضحايا التعذيب في أقسام الشرطة وإذا لم يكن شرطه؟
في ظل الاستقطاب الحاد، البعض سيعطي آذانه لضحايا الشرطة الجانية والبعض سيعطي آذانه للشرطة الضحية، كل حسب مستويات وعيه ومستويات ضميره أيضًا؛ فالمستفيدون من تجاوزات الشرطة الذين يمكن أن يستخدموا أيًا من عناصرها لحسم نزاع مع مواطنين آخرين لصالحهم سيقفون على طول الخط مع الشرطة، ويخالفون الوعي الذي يُفترض أن يمتلكوه بتعليهم، وفي المقابل يخالف أنصار الدولة الدينية ضميرهم ويتحاملون على الشرطة التي يعتبرونها مجرمة دون نقاش.
النتيجة انشطار الوطن، لكن كل فرد من هذه الأغلبية قليلة الوعي أو قليلة الضمير يعيش سليمًا بمراراته وأو ماسبه، أما القلة الواعية التي تدرك معنى الكرامة الإنسانية والحق في الحياة الآمنة، فهي التي لن تهنأ براحة البال، وسيبقى الفرد من هذا النوع مشطورًا، حزينًا على الضحايا من الجانبين، قلقًا على ما يمكن أن يترتب على هذا الانشطار في بلد أنهكته جراح الاستقطاب وسوء التدبير.