تحليل استراتيجي لإصرار عدوية على انتخاب السيسي

احمد عدوية

 

للفنان الشعبي أحمد عدوية تاريخ طويل مع الفلسفة والحكمة الشعبية العميقة، نذكر له على سبيل المثال “حبة فوق وحبة تحت” شعار مرحلة السبعينيات في بداية الانفتاح والانفشاخ والتهليب، الآن تقادم الشعار الفلسفي على المستوى الفردي، واستقر البعض فوق واستقرت الأغلبية تحت، بينما  لم تزل حكمة عدوية صالحة لتأمل ترمومتر الأمل في مصر، الطالع نازل.

لكن حكمة الفنان في شبابه، لا تقاس بما أدلى به في شيخوخته مؤخرًا حول الانتخابات البرلمانية، في لقاء مع قناة تليفزيونية (مرفق رابط الفيديو).

إفادة عدوية التليفزيونية نص متعدد المستويات كما يليق بسرديات الأدب الكبرى. هو أولاً يقرر أنه انتخب أمس، ثم يعدل عن قوله فيقول إنه سينتخب غدًا. المعنى الذي يمكن يصل للمواطن الطيب هو أن الرجل شاخت ذاكرته ـ متعه الله بالصحة ـ فلم يعد يتذكر انتخب أم لم ينتخب. والمعنى الذي يمكن أن يصل للمواطن الشريف هي استعداد الفنان لينتخب أمس واليوم وغدًا، وكله في حب مصر. أما المواطن الذي ينتمي للقلة المنحرفة والخارجة على الإجماع الوطني، فسيعتبر أن هذا هو الرأي الفلسفي العميق لعدوية، وأنه يشير بوضوح إلى انعدام الفرق بين أن يدلي برأيه أمس أو غدًا وبين ألا يدلي بصوته من أساسه.

على أية حال، تكاثر المحيطون بالفنان وأجبروه على اعتماد مقولة واحدة: “سيدلي بصوته غدًا” وسوف يختار السيسي، وبالطريقة نفسها يمكن للمواطن البسيط أن يشفق على الفنان الذي لم يعد يفرق بين انتخابات الرئاسة وانتخابات البرلمان، لكنه إذ يصر على أقواله مرة ومرتين فهذا يعني أنه يدرك أن الفائز في هذه الانتخابات هو السيسي بالفعل، فانتخاب البرلمان هو مجرد إكمال لعملية انتخاب السيسي رئيسًا؛ فقد تم إعداد المسرح لتخرج النتيجة ببرلمان يقر القرارات بقوانين التي اتخذها السيسي في غيبة البرلمان. مرة أخرى يفرض الكورس في الفيديو إجابة مختلفة ويجبر  عدوية على تغيير أقواله، لكن المواطن الخارج على الإجماع الوطني سيدعي أن المطرب غيّر إفادته تحت إكراه الكورس وأنه إنما أراد أن يتجاهل وجود البرلمان الذي ولد جاهزًا للحياة “حبة تحت” من غير أفق لأن يكون بلا “حبة فوق” ليقود مبادرة التشريع والرقابة!

المعنى الأخطر من المشهد كله أنه يلخص الوضع غير الطبيعي الراهن؛ فبينما تنعقد القيادة للنجم، في السياسة والغناء، بينما تقوم الجوقة أو الكورس بترديد ما يريد، انقلبت الآية وأصبح الكورس هو المتحكم، يفرض على النجم ما ينبغي أن يقال، وينتهي المشهد بصورة سيلفي مع النجم للذكرى!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

https://www.youtube.com/watch?v=c7db7D4dymM