منذ أمد آليت على نفسي ألا أكتب عن راحلين، يوم رحيلهم. لأن لحظة الموت كاذبة المشاعر؛ كاذبة في حبها، كاذبة في عداوتها. العداوة أصدق من المديح في تلك اللحظات لكنها ليست نبيلة ولا مقبولة؛ المعتاد أن يصبح الميت على قلم الحي جميلاً، وربما ينطوي مديح الميتين على أنانية مفرطة من الراثي الذي يريد أن يبدو فارسًا في شأن لا يعني الناس في شيء، وربما يدفع مقدمًا لكي تستمر منظومة الكذب فيتلقى وداعًا مماثلاً!.
لكن خليل كلفت حالة خاصة. موته عض القلب، وليس بوسع الموت أن يجعله الموت أجمل مما كان، لأنه بلغ الذروة في الجمال، ولا مزيد.
لست من الشيوعيين الذين رباهم خليل، ولم أشهد نضاله السري. لكنني تلقيت عصارة جهده في الكتابة والترجمة. عرفت من خلاله نصوصًا ما كنت أبلغها لولا أنه انتبه إليها وأحبها وترجمها. ماشادو ده أسيس مثلاً، الذي رأيت في روايته “دون كازمورو” ليس أبوة الأدب البرازيلي فحسب، بل أبوته لتيار الوعي الذي يعود الدارسون به إلى كتاب لاحقين مثل مارسيل بروست وفرجينيا وولف، ترجم بورخيس كذلك، ترجم دراسات سياسية لا غنى عنها، لم يترجم إلا ما يرانا بحاجة إليه وما يحبه.
كان…
ومن أسف أن يصبح هذا الطيب فعلاً ماضيًا، من المؤسف أن نخسر دائرة معارف، لكنه رحل نظيفًا، كأن القابلة انتزعته من رحم أمه وألقت به في سلة الموت؛ فأعفته من عبور الحياة، حتى لا تعلق بسيرته سوأة. وداعًا أيها المثقف النادر الوجود.