“شرم جيت” نموذجًا للضعف الدبلوماسي.. متى أغلقوا مصنع الرجال في الخارجية المصرية؟

ضربني واشتكى وسبقني وبكى، وأنا أبتسم!
الضربة في رأس وأثرها في رأس آخر!

 

إعادة التأكيد على أن الموقف الغربي من الطائرة الروسية عمل من أعمال الحرب ضد مصر، يشبه إعادة اكتشاف الماء الساخن. استباق بريطانيا لتحقيقات الطائرة المنكوبة ليس عملاً نزيهًا، وإخفائها المعلومات التي تقول هي والولايات المتحدة أنها توصلت إليها عمل إجرامي، خصوصًا إذا كانت تعلم بوجود خطة تفجير قبل وقوعها. وإعلان بريطانيا إجراءات نقل رعاياها بالشكل الذي أخرجته به  في توقيت زيارة السيسي عمل مقصود به “التجريس”.

كل هذا كان يستوجب تصعيدًا مصريًا في رد رسمي قوي، كقطع الزيارة أو حتى إلغاء المؤتمر الصحفي. لكن هذا الرد لم يصدر حتى الآن. وكل ما تفعله مصر هو الدفاع عن نفسها، راضية بموقع “المتهم” بينما بوسعها أن تحول الموقف البريطاني والأمريكي إلى فضيحة حقيقية. لكن هذه الخطة الحلم كانت تتطلب الوفاء باستحقاقات كثيرة في الداخل المصري تملص منها النظام حتى الساعة.

على كل حال كان من الممكن اتخاذ موقف أصلب قليلاً، ولن يحدث لمصر أكثر مما حدث. فهل بوغت السيسي بالموقف؟ وهل بوغت وزير الخارجية أم أنه أضعف وأخوف من أن ينصح؟! هل بوغتت الخارجية المصرية كلها التي كانت من أقوى مؤسسات الدولة المصرية؟!

ليس هذا الوزير وحده من لا نجد له صوتًا مستقلاً أو أثرًا في الملفات الخارجية، الأمر متصل منذ 2001 عندما تخلص مبارك من عمرو موسى بترشيحه أمينًا لجامعة الدول العربية. كان موسى آخر وزير خارجية يمنح نفسه هامشًا من الحرية ويرتجل الردود المناسبة من دون الرجوع إلى الرئاسة. من بعده لم نتذكر اسمًا لوزير خارجية، وانحط منصب الوزير من صانع سياسات إلى موظف صغير يتلقى مهامه يومًا بيوم، وتدهور منصب السفير إلى درجة مغترب بعقد عمل، يراعي مشاعر الكفيل إذا كان التعيين في بلد خليجي، ويراعي مشاعر السادة البيض والحمر والصفر عندما يأتي التعيين خارج المنطقة العربية.

عمرو موسى – آخر من عرف كرامة المهنة – كان استعراضيًا إلى حد كبير، لكنه تمكن من تقديم مصر بصورة أكبر مما هي عليه في الواقع بين يديّ رئيس بليد. وقبله عرفت الخارجية رجالاً مثل اسماعيل فهمي الذي استقال احتجاجًا على زيارة السادات للقدس، وإبراهيم كامل الذي استقال احتجاجًا على نهج السادات في التفاوض. رغم أن السادات كان خارجًا منتصرًا من حرب كبرى، ولم يجد في الخارجية المصرية من يطيعه في تبديد نتائج النصر العسكري على طاولة التفاوض!

ليست البرلمانات ـ مزورة كانت أو شرعية ـ وحدها ما يُقوّم عمل الرئيس، بل مؤسسات السلطة التنفيذية ذاتها، عندما كانت المؤسسات واثقة في نفسها إلى حد القدرة على اختطاط مسار لا تقبل بغيره، وإلى حد استشارة الخبراء من خارج الكادر الوظيفي، مثلما استعانت الخارجية بوحيد رأفت المعارض الوفدي في معركة التحكيم حول طابا. أما أن تنهار المؤسسات وتصبح محكومة بمن لا يفقهون ولا يكلفون أنفسهم عناء مشاورة من يفقهون؛ فهذه واحدة من جرائم مبارك التي لم يُحاسب عليها.