لا أقدر على تقبيل شفتك، ولا على قضم مشمشةٍ

 

مجموعة ثانية من قصائد

زكريا محمد

لوحة: جورجيا أوكييف
لوحة: جورجيا أوكييف

 

 

الوجود والعدم مسبحة، وإبهامي تطقطق بالحبات: حبة للوجود وأخرى للعدم. أنا خائف من الوجود، وخائف من العدم. فالوجود فتّاك، والعدم أفتك. يمكن لي أن أفرط المسبحة بالطبع، وأن أهتك السلسلة. لكن أخشى أن يكون هذا هو الوجود ذاته. ويمكن لي كذلك أن أصمد مطقطقا بالإبهام خمسين سنة أخرى. لكن قد يكون هذا هو العدم إياه.

للوجود طعم الملح. وللعدم طعم الكرز.

وأنت يا رب من يدني لي غصن كرز، ويقطر بالملح على شفتي. فالمسبحة مسبحتك، والإبهام التي تطقطق إبهامك.

31-5-2014

رميتُ خمس حبّاتٍ مشمش في البركة، فطفت على الماء وسبحت. لا أقدر على تقبيل شفتك، ولا على قضم مشمشةٍ تتلهّب في يدي. أنا العجز الكبير أمام الجمال وأمام الجملة. قبلتي لطخة حمراء على جدار، ومشمشتي تسبح في الماء.

أنا جُعل يتدحرج مشمشهُ في الماء، ويتدحرج اسمه الغريب في النار.

 

31-5-2015

 

في الليل أمطرت في أريحا. ثم رفع غراب أذان الفجر. بعدها سمعت أحدا ما يغني وهو يصرم آخر عراجين النخل.

كريم هو الله. يسقط المطر على جبل التجربة، ويسقط التمرة تحت النخلة.

أفواهنا الكبيرة تتغني بالكلمات، وقلوبنا الكسيرة تشرب القطرات.

أمطرت في الصباح أيضا، فقعدت قبل طلوع الشمس على الخشبة، وبللت بالمطر رأسي. إن لم يبلّ مطر الخريف رأسك فلن يغفر الله ذنوبك. تعالوا كي نغمس خبزتنا بالزيت قدّام بيتي. تعالوا كي أريكم وحش الخريف. إن لم تأتوا فسوف أسامحكم. فلديّ مشوار سوف أمشيه خلف الريح وتحت المطر. الريح قافلة جمال تقضم أغصان الدوم وأغصان الزقوم.

من الذي دبّر لي كل هذا يا رب؟ أهي هدايا عيد ميلادي؟

عند الظهر حطّت شمس الخريف على النخلة. ذيلها سعفة ذهبية كبيرة. وأريحا صحنان من عسل وسمسم. أغرق إصبعي في العسل، ثم أغمسه في السمسم، وألعق.

8-10-2015

يظهر يأس الخيل في حوافرها. تطرق بها على أحجار الصوان مثل مطارق من حديد. ويظهر يأس الإنسان في عينية. تصيران عند اليأس بركتين مالحتين لا تعيش فيهما الأسماك.

من الذي جعل مركز الإنسان في عينيه؟

ألم يكن أفضل له لو منح مقصا في طرف ذراعه مثل مقص سرطان بحري؟ ألم يكن ممكنا أن يعطى خرطوما طويلا كخرطوم الفيل كي يغطي على البيضة النيئة التي كسرت في محجره؟

اسمعوا صرخة الصقر كيف تفتت الحجارة. هذا يكون الأمل. انظروا إلى الصبار كيف تملأ كفه الأشواك. هذه هي الكرامة.

أحد ما خدع الخيل. خدع الناس. وضع علامات خاطئة على الطريق كي تضل خطاهم.

 

العين كيس كبير يبتلع القمامة. العين شاهدة كذّابة يوم القيامة.

19-10-2015

على الرقم 8 في لوح الكيبورد نجمة سداسية. وهي تشبه صليبا بخشبة ثالثة زائدة. أضعها عادة في نهاية كل قطعة أكتبها. شِفْتْ، ثم ضربتان ** وتقتل الفكرة نفسها.

لكن مشكلة الكيبورد أن القاف والفاء قرب بعضهما: قف، فق. كما أن العين والغاء تغرغران مثل جملين غاضبين قرب بعضهما.

ولا أستطيع أن أكتب وعيني على الشاشة. أنظر دوما إلى الحروف خوف أن تخطئها إصبعي، وأفكر بالعلامات أكثر من أي شيء آخر. أفكر بها أكثر من الشعر ذاته.

على الرقم 4 علامة مثل رمز الدولار. بعدها تأتي علامة السلّم على الرقم 3. وأنا لا أحتاج لهذه العلامات. تكفيني النقطة، والفاصلة، وإشارة الاستفهام. هذا بالطبع إضافة إلى النجمة. فبعد النجمة يسيل الدم بلا صوت تحت الكراسي.

 

وليس لدي ما أخبركم به فوق هذا. فالعلامات كلها أمامكم على الكيبورد، والنجوم تلمع كالسكاكين في السماء.

31-10-2015

 

أجد أن الليل والنهار غرابان. أو غراب وظله الأبيض.

غراب الليل نقّر بمنقاره جرحي. وغراب النهار خطف فرحي.

ولدي معرفة بعذاب العناقيد قبل أن تسودّ، بحيرة الزهرة قبل أن تتفتح. وقد حصلت على معرفتي حين شبّت النار مثل فرس فوق سياجي، وعلقت بثيابي.

وكلما غمس اليأس خبزته في طبقي صفّرت عدّادي، وبدأت من جديد.

ولا ثقة لي إلا بالغروب وبالفجر. الفجر هو الصفا، والغروب هو المروة. وأنا مسيح كسيح أسعى زحفا بينهما.

10-2015

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*من مجموعة “حقل الخردل” قيد النشر.