ليالي الدمع في فيينا

الهجوم الإرهابي سداسي الأبعاد على فرنسا انعكس أثره على محادثات فيينا التي كانت دائرة بالمصادفة حول سورية. بدت القوتان الرئيسيتان المؤثرتان في المعادلة (أمريكا وروسيا) تتحدثان بلسان واحد تقريبًا. الكثير من القضايا محل الخلاف اعتبرت منتهية. وخارج رقعة التلاعب في فيينا قدمت الولايات المتحدة عزاءها اللائق لفرنسا باصطياد قيادي داعشي في ليبيا، وزايدت تركيا باصطياد اثنين على حدودها. هنا السؤال ضروري: لماذا تم اصطياد هؤلاء عقب اعتداءات باريس وليس قبلها؟ هل هي مصادفة أم أن قيادات الدواعش مكشوفة ويمكن اصطيادها في أي وقت، لكنها متروكة لترعى في الدم لأنها مأمورة!

على أية حال، الواقع يقول إن حجم الاعتداء وحجم ردود الفعل الفرنسية والدولية عليه أيقظ في قلوب الكثيرين أملاً بقرب تصفية هذا الثقب الأسود وحل الأزمة السورية، لولا أن الصديقين اللدودين كيري ولافروف نطقا بـ “لكن” التي تفتح عمل الشيطان. كلاهما قال إن الكثير من المشاكل تم الاتفاق عليها وحددا يناير المقبل موعدًا لبدء محادثات بين النظام وفصائل المعارضة، ولكن…!

هذه الـ “لكن” يأتي بعدها أنه لم يتم الاتفاق على تسمية فصائل المعارضة غير الإرهابية، كما لم يتم الاتفاق على ذهاب أو بقاء الأسد.

هنا، لابد من إيجاد مخرات لاستقبال وتصريف دموع الأطراف المتآنسة في فيينا التي أعربت عن ألمها لأرواح الضحايا. ومن كلاسيكيات الفهم أن القاتل يمكن أن يكون الأغزر دمعًا بين المعزين في القتيل، ولابد من القياس على حادث مجلة شارل إبدو في باريس في يناير الماضي. السيناريو مشابه تمامًا رغم اختلاف عدد الضحايا؛ ففي اعتداء السابع من يناير، صاحب عملية اقتحام المجلة التهديد العشوائي في الشوارع. ومن يعود إلى تصريحات تلك الفترة يجد ذات التوعد باستئصال إرهاب داعش، لكن الملف انتهى إلى النسيان.

الاعتداء الأخير سينتهي النهاية نفسها، لأن الحل معروف، وكان من السهل إنهاء هذه الجماعة في أسبوع واحد إذا صدقت الإرادة الدولية، فداعش ليست مجرد جماعة من المهووسين دينيًا أو جنسيًا أو المرضى النفسيين، كل هذا لا يعمل وحده بدون مصادر تمويل تأتي نقدًا من أطراف خليجية أو من حصيلة بيع النفط لتركيا، ومصادر السلاح في أيدي داعش كلها تأتي من الباكين على الدم الفرنسي المسكوب.

وإغلاق مصادر التمويل والتسليح تحول أبطال داعش إلى متسولين في الحسين أو زبائن في العيادات النفسية والسجون، لكن من الواضح أن الأهداف التي وجدت داعش من أجلها لم تتحقق، وهي: خلق دويلات طائفية تجعل وجود إسرائيل كدولة دينية مقبولاً ومتناغمًا مع الجيران، استنزاف المدخرات البترولية التي تراكمت بعد حرب الخليج الثانية، واستمرار تخويف الفقراء في الغرب من العدو الإسلامي، وهذا الهدف الأخير هو الأهم، ولن تتنازل الرأسمالية عن العدو الذي صنعته إلا إذا اخترعت العدو البديل الذي يحل محل الإرهاب الإسلامي.

هذا يعني أن داعش لن تنتهي قريبًا على الأرض، يبقى الـ “لكن” المزدوجة. في الاتفاق على من الإرهابي ومن غير الإرهابي في مستنقع الدم وهذا قد يكون ممكنًا الاتفاق عليه ذات يوم، أما المستحيل فهو معادلة بقاء أو رحيل الأسد.

لن تأمن روسيا لحكم يأتي من المعسكر الآخر وينهي وجودها في المياه الدافئة، ولن تأمن أمريكا على الخليج إذا بقي الأسد (شخصًا ونظامًا) الذي يشعر بالمرارة من الأطراف الخليجية، ومن الطبيعي إذا ما توقف عن القتال في الداخل أن يختار أكثر أعدائه الخارجيين ضعفًا ليفتك بهم.

لكل هذا، سوف لن يحدث شيء رغم ليالي الدمع والأمل في فيينا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر بالمصري اليوم