من الرقة إلى باريس وباماكو: هام وكلوف يتهارشان وما من نهاية للعبة!

حادث رهائن فندق مالي
حادث رهائن فندق مالي

 

في مسرحية “نهاية اللعبة” لصمويل بيكيت أربع شخصيات: هام (سيد البيت، قعيد على كرسي متحرك) كلوف (خادم أو تابع) تاج ونيل (والدا هام محبوسان في صندوقي قمامة بجوار باب الغرفة). وطوال الوقت يأمر هام خادمه بالنظر من النافذة لرؤية ما يجري في الخارج أو يطلب منه تحريك كرسيه المتحرك بين وقت وآخر، وعندما يتمرد كلوف على الأوامر يهدده هام: لن أعطيك بعد الآن طعامًا. ويرد كلوف: فنموت إذن. ويفكر القعيد أن موت هام سيعني موته فعلاً فيقول له: سأعطيك ما يكفي فقط كي أمنعك من الموت، وستبقى دائمًا جائعًا!

هل سيكون من قبيل التجني أن نعتبر أن الرأسمالية التي أقعدتها التخمة هي هام، وداعش هي الخادم كلوف، والأبوان في صندوقي القمامة هما بلاد شمال وجنوب المتوسط؟

العالم يبدو الآن خشبة مسرح تجري عليها أعمال عبثية، لكن تفسيرها ليس صعبًا. المهارشات بين الغرب وداعش تشبه الثرثرات التي يجريها أبطال بيكيت لقطع الوقت.

داعش تضرب في الرقة وباريس وشرم الشيخ وباماكو. تبرهن على قدرتها في الوصول إلى أي مكان. وفي مواجهة الموت الأسود والغامض، تنطلق صواريخ روسيا من بحر قزوين وطائراتها التي تنطلق من اللاذقية وطائرات فرنسا وكندا التي تنطلق من الأردن والإمارات والكويت لتنفيذ غارات على الرقة، والمحاربون يعرفون أن هذه الغارات لن تحقق النصر على داعش، وهم في الحقيقة لا يسعون إلى النصر، ولا يريدون الوصول بهذه الحرب إلى نهاية اللعبة.

عبث بيكيت ينبع من استحالة التواصل بين البشر؛ لكن العبث الذي يدور على مسرح العمليات العسكرية ضد داعش ينبع من شدة التواصل وإحكامه. روسيا تنسق مع أمريكا ومع فرنسا، على الرغم من أن  بعض السذج تصوروا أن الغرب يمكن أن يدخل حربًا ضد روسيا عندما تدخلت في أوكرانيا، ثم مرة أخرى عندما قررت منفردة التدخل في سورية!

السجال الكلامي الخفيف في أزمة أوكرانيا والخافت جدًا في سورية انتهى إلى التعاون، لكن تضليل السذج يحتاج إلى التظاهر بوجود خلافات، والأهم من ذلك يحتاج إلى عدو مسعور مثل داعش يبث الرعب في قلوب البشر سواء الباحثين عن الحرية في الشرق الأوسط أو الباحثين عن العدالة الاجتماعية في الغرب.

الأطراف التي تشن حربها على داعش متأكدة أكثر من أي طرف آخر أن استعراضات طائراتها لن تصنع انتصارًا. وأن هزيمة هذا الشيطان الهائج لن تكون إلا بقطع تمويله بالمال والسلاح، وجميع الأطراف تعرف مصادر تمويل داعش، لكن الجميع يتواطأ.

حتى الآن لم يتم أي اتفاق حول تجريم شراء البترول والآثار من داعش أو تجريم توريد السلاح والأموال، لأن الرأسمالية ـكما فعل هام مع كلوف ـ  لن تمنع الطعام عن داعش حتى لا يموتان معًا. هي تطعمها وتجوعها أحيانًا وتضربها على رأسها أحيانًا أخرى  فتٌهيجها لتعربد بضربة هنا وضربة هناك. وتتقدم الرأسمالية الفظة على كرسيها المتحرك تعزي في الضحايا وتتوعد بإبادة داعش، وسترد داعش قولاً وفعلاً، لتستمر اللعبة، ومثل هام وكلوف سيقولان “ما من أحد في هذا العالم على مثل تفكيرنا الملتوي”. وسيشمان معًا رائحة جثث الضحايا تفوح في المنزل كله، بل في الكون، فيبتهجان، وسيتألم فقط ذوو الضحايا وأصحاب التفكير المستقيم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المسرحية ترجمة بول شاؤول.