من العلامات الكبرى للقيامة: أن يحترف الأمن صناعة الترويع

ثلاثة قتلى تحت التعذيب في أسبوع. أمر مخز ومثير للغضب.

هذا الرقم من الضحايا يعطي مؤشرًا على معدل تعذيب عال في أماكن الاحتجاز؛ إذ لا تحدث الوفيات إلا في حالات نادرة بسبب الضعف الجسدي للضحية أو فقدان الجلاد أعصابه، وخروجه على تقنيات الحرفة. وهكذا ففي مقابل القلة التي تفقد أرواحها وتستريح، هناك كثرة تدخل تجربة الاحتجاز وتخرج أرواحًا عليلة مؤهلة لتقبل العنف مجددًا أو ممارسته ضد الآخرين.

وإذا لم يكن في النظام من يكترث للإهانية الموجهة للكرامة الإنسانية بهذه الممارسات، فعلى الأقل يجب أن تثير قلقه من هذا التصاعد الخطر، الذي يوحي بفقدان الشرطة لأعصابها وهو ما يحدث عادة في نهايات التاريخ.

استشعار الخطر لا يحتاج إلى الاستلاف من تاريخ الآخرين، بل تأمل تجربتنا الخاصة القريبة جدًا، فقد كان نظام مبارك يتداعى لأكثر من سبع سنوات قبل 25 يناير، وكان بحاجة فقط إلى من يتقدم لإزاحة جثته إلى جانب الطريق (بتعبير الراحل أحمد فؤاد نجم) وتقدمت الشرطة وأخذت الخطوة الأولى في هذا العمل المجيد. كان مقتل الشاب خالد سعيد في يوليو 2010 قمة الترويع الفردي، ثم وضع الترويع الجماعي نهاية مبارك بتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في رأس السنة.

الشرطة التي بدت في تلك الفترة خارج سيطرة الرجل العجوز هي التي جعلت المتظاهرين يختارون 25يناير  بالذات موعدًا لمظاهرات هدفها الأساسي فضح الشرطة في يوم فخرها، من خلال كشف المسافة بين شرطة تقتل مواطنيها وبين شرطة قاومت الانجليز ببسالة في الإسماعيلية في يناير 1952.

واليوم جاء دور الشرطة في السخرية من نفسها؛ فقتيل من الثلاثة هو من مواطني الإسماعيلية، وبالطبع ليس ضابطًا انجليزيًا، بل طبيب مصري تم احتجازه في شجار عادي يتعلق بخلاف بين زوجته الصيدلية وبين مالك العقار الذي تستأجر منه صيدليتها!

كذبة “الأخطاء الفردية” التي تطلقها الشرطة تعليقًا على كل حادث قتل مردود عليها بأن الضابط المتهم  بقتل  شاب الأقصر  يحمل على كاهله اتهامين سابقين، إن صحا فهو قتله الثالث بلا عقاب، أي أن الممارسة مقبولة  وعادية.

و من السذاجة القول بأن هذه الممارسات نتيجة عدم تنفيذ مطالب ثوار 25 يناير بتطهير الداخلية، فهذا المطلب غير ممكن لأن نظام مبارك لم يسقط، أو بالأحرى نظام ابنه (الرئيس غير المسمى في سنوات مبارك الأخيرة). ومادام النظام قد استمر فقد استمرت معه شرطته، ولا يمكن التعويل على الفهم وطلب اتخاذ العبرة في جهاز تحكمه آلية تمنع التغيير؛ فهناك التضامن والشراكة في المسئولية بين من يُصدر الأمر بالتعذيب ومن يقوم بالتعذيب، وكلاهما يخلط بين مصالح الدولة وبين حصته الشخصية في السلطة التي يطلبها بوعي أو بدون وعي، بسبب عُقد النقص والتشوهات الشخصية التي تحدث داخل الشرطي خلال سنوات من العمل في غيبة القانون.

الفروق في درجات السادية، والسيكوباتية، واعتياد الانصياع للأوامر، هي التي تصنع الفرق بين ضابط يعمل وفق معايير إنسانية وضابط يعذب دون قتل وثالث يعذب بالقتل. ورغم  كانت العناصر التي تقوم بالتعذيب تكون في الغالب غير واعية  بأمراضها النفسية، إلا أنها تستطيع أن تستشعر النهاية بالحدس والإحساس الداخلي مثل كثير من الكائنات غير العاقلة، فتبدأ في التصرف بعصبية حفاظًا على النظام الذي تستمد منه امتيازات سلطتها المطلقة.