هل من فرصة للخروج الخليجي الآمن من مستنقع الربيع العربي؟

عقال

 

توالت الإشارات الروسية خلال هذا الشهر حول غضب يُضمره الدُب الكتوم تجاه دول الخليج، وخصوصًا المراكز المتدخلة في بلاد الربيع العربي، وبالأساس التدخل في سورية التي تعني روسيا.

إطلاق صواريخ من بحر قزوين نحو الرقة كان عملًا فائضًا على الحاجة عسكريًا، المراد منه تحذير الأطراف الخليجية المعنية، ويأتي القرار الأخير باستخدام القاذفات الاستراتيجية توبولوف التي تُقلع من روسيا مباشرة كإعادة تأكيد على الرسالة. وفي الوقت ذاته تكشف هذه الاستعراضات عن نية الروس إقرار واقع جديد في سورية عنوانه الأساسي بقاء الأسد، قبل أن يتمكن الحلف المضاد من تحديد نوع الفصائل المعارضة المؤهلة للتفاوض حول مستقبل سورية.

التجاوز الذي يصل حد البلطجة مع لبنان بالإبلاغ المتأخر عن المناورات الروسية التي شلت مطار بيروت لا يخرج هو الآخر عن كونه رسالة لكل الأطراف بأن روسيا ستفعل ما تريد، وفي كل مرة تثبت أن يدها أسرع من تفكير واشنطن ولسانها.

وعلى الرغم من التدهور في قدرة الولايات المتحدة على المبادرة إلى حد يؤذن فعلاً بنهاية حقبة سيطرتها على العالم؛ فإن مستوى الخلاف بين القوتين سيبقى محكومًا بقواعد التداخل الرأسمالي بين روسيا والغرب الذي يمنع تصاعد الخلاف لأبعد من التلاسن، لكن من الجائز جدًا التضحية بالحلفاء الصغار في المعسكر الأمريكي لتخفيف الحمولة.

في حالة كهذه ستنشأ أوضاع جديدة في المنطقة تؤذن بنهاية التحكم الخليجي بصنع القرار في الإقليم. وهو وضع خطأ نشأ عن غياب المراكز الإقليمية التقليدية تباعًا: العراق (بغزو الكويت) مصر (بتداعيها بداية من خلط بيزنس ولديّ مبارك بمصالح الدولة العليا وحتى اليوم) وسورية (بالثورة التي عرف الأسد كيف يحولها إلى الحرب الدائرة الآن).

كان غياب هذه الأطراف بمثابة الطُعم الذي ابتلعته دول الخليج، فتقدمت سعيدة بالأدوار الكبيرة الخطرة، وملأت الفراغ بالتضاد مع إمكانياتها الجيوسياسية، اعتمادًا على دبلوماسية الدولارات المستمرة منذ  اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989. وكان من نتيجة هذه الدبلوماسية أن بعض الدول وضعت شعوبها طرفًا في خلافات معقدة لا تعنيها، كما رتبت أنظمة هذه الدول على  نفسها في ثارات مؤجلة مع الدول التي تعرضت للأذى بسبب عبث دبلوماسية الدولارات في مكوناتها الداخلية، وخصوصًا عملية إفساد الربيع العربي وتحويله إلى حروب أهلية، ومن جهة أخرى فازت الأنظمة الخليجية الناشطة بغضب النخبة الخليجية عالية الوعي التي ترى أن إنفاق الأموال على التعليم وتحسين الخدمات أولى من إنفاقها على الخارج، خصوصًا إذا كان بهدف التخريب وتأخير الديمقراطية.

ومن الواضح أن ترتيبات سورية باتت قريبة جدًا وستغير الكثير من المعادلات، وستكون دول الخليج محظوظة إذا أمهلتها الأحداث لترتيب انسحاب آمن من الأدوار التي اضطلعت بها في ربع القرن الأخير.