وليد خازندار “جهات هذه المدينة”

5

 

يبدأُ الصيّادون الغِناء. صوتٌ يعلو الموجُ بِهِ. يردُّ صوتٌ ثُمَّ يتبعُهُ الجميع. يستأنفونَ المعاني وتمضي بهم. لا يرون الأفقَ بعدُ لكنهم يرسلون أصواتَهم إليه.

 

أسرارُهم قليلةٌ منشورةٌ أمامَ البحرِ دون اعتراف. في النبرِ زيادةٌ ليست في الكلام. واضحون إلّا إذا أسرفوا. لا تعرفين، إن ابتعدوا في كنايةٍ، أيكلِّمون داراً أم امرأةً، موجةً أم حبيبة.

تكتبين غِناءَهم في الدارِ الصغيرةِ على البحرِ فلا يكادُ يستقرُّ على الورَق. تسألينهم في السهرةِ عن صوتِ البحرِ في معانيهم وصمتِهِ، يصيرُ كلامُهم أبعد.

يحمِّلون الريحَ أعباءً كثيرةً. أن تعودَ إن هبَّتْ بأشرعةٍ لم تعد. أن تكون دفَّتَهم إلى مقاصدِهم. لهم مرافئُ ممنوعون من جهاتِها. قريبةٌ حين يبحرون في الكلام.

يكلِّفون الطيرَ ما لا يستطيعُ من الرسائل. يستحلفونهُ أن يَمُرَّ بأحبابِهم، أن يسلِّمَ ثُّمَ يعودَ بالأخبار.

يخاطبون البحرَ دون كُلْفةٍ كأنَّهُ واحدٌ منهم. بل إنهم يعنِّفونهُ. لماذا لا يعودُ بأحبابِهم، لماذا يُرجعُ مجذافاً دون مركبِهِ، دون اليدِ التي ارتخت عنهُ، يرتمي وحدَهُ على الرمل.

 

 

6

 

لهم أشرعةٌ يقولونها في سِرِّهم ـ

الإبحارُ من جنسِ المسافةِ

القصدُ من الوصول.

موصولةٌ حكاياتُ الرملِ في كلامِهم بأسرارِ الماء.

مُضْمَرون في مصائرِهم

كأنهم وحدَهم من له مصير.

لهم أصصٌ مزروعةٌ كأن لا تزالُ أبوابٌ.

يسهرون إلى فجرٍ يستيقظون دونَهُ ـ

ليس فجراً هذا

فضاءٌ فاغرٌ، مِديةٌ.

إصغاؤهم إلى قلبِ السكون.

قادِمٌ ما يزالُ يأتي

كأنما إليهم وحدَهم.

يغالبون الموجَ مثلما يغالبون الترابَ

يأخذُهم أو يردُّهم

فيغالبون من جديد.

 

لهم وِجْهَةٌ في ضربةِ المجذافِ

وِجْهَةٌ في ضربةِ المعولِِ

مجازٌ إلى ما يقصدون.

سؤالُهم عن الأفقِ

هل يحفرون فيه ليعبروا.

 

FullSizeRender (14)