الحصان في البرلمان

خالد يوسف في كفر شكر ..انتخابات قصة أم مناظر؟2015
خالد يوسف في كفر شكر ..انتخابات قصة أم مناظر؟2015

من بين الفظاعات التي ارتكبها كاليجولا، لا يذكر الناس للامبراطور الروماني الرهيب سوى قراره بتعيين حصانه عضوًا بمجلس النواب، الأمر الذي وضع النهاية لحكمه.

للحقيقة، لم يسقط أشهر طاغية في التاريخ بسبب القرار ذاته، بل بسبب حفل التنصيب، عندما دعا الأعضاء إلى الحضور بالملابس الرسمية للاحتفال بانضمام الحصان إلى الهيئة التشريعية، وفاجأهم بأن الطبق الوحيد في الحفل هو العلف والتبن، وشرع النواب في تناول طعام زميلهم الجديد، إلا واحدًا هو براكوس الذي ثار ورفض تناول التبن، فتعرض للقتل وتسبب مقتله في ثورة الشعب على كاليجولا.

بعد حصان كاليجولا لم ينل حصان آخر شرف تمثيل الشعب في أي من بلاد العالم، وبقيت الخيل لتحمل النواب إلى البرلمان والمحاربين إلى الحرب، حتى حلت الآليات مكانها.

السيد اللواء عصام أبو المجد مرشح ههيا شرقية 2015
السيد اللواء عصام أبو المجد مرشح ههيا شرقية 2015

في مصر لم يختف الحصان بسبب السيارة والدبابة فحسب، لكنه اختفى في مصر الناصرية لكونه رمزًا من الرموز الطبقية للعهد البائد، يستدعي صورة طبقة متبطلة تعيش في البارات ليلاً وساحات سباق الخيل نهارًا، وفي نهايات عصر السادات بدأت الخيل تعود خببًا، لكن ظلت مقصورة على بعض الأغنياء الذين يعتبرون الحصان شهادة على مكانة اجتماعية موروثة حقيقة أو ادعاءًا. وعلى مسافة طبقية شاسعة هناك الخيل غير الأصيل الذي يرقص في الأفراح الشعبية،  ثم خيل القاع الذي يجر العربات أو يستخدمه مع الجِمال متسولو السياحة حول الهرم، وهذا النوع المسكين الأخير هو الذي استُخدم في الهجوم على ميدان التحرير فيما عُرف بـ “موقعة الجمل”!

قبل أن يقتحم الميدان بأشهر قليلة، كان الحصان قد اقترب من البرلمان، عندما ظهر أمين أباظة فوق حصان أبيض مرشحًا عن الحزب الوطني في انتخابات 2010 ويمسك بلجام الحصان شاب يرتدى الملابس الإفرنجية، وإلى اليسار منه يبرز وجه فلاح لا يمكن تحديد عمره، بسبب انكسار نظرته المذهولة، كما لو كان أحد شخصيات فيلم «شىء من الخوف» عن رواية أباظى آخر هو الأديب ثروت.

خلف الوجه الخائف بالصورة يظهر بوضوح أقل بروفايل جانبى لوجه يبدو مستريحًا فوق رابطة عنق؛ لعله لواحد من مرافقى الوزير.

فقط ثلاثة وجوه لبشر يمكن تمييزها فى الحشد مع رأس الحصان وفى مستواه، بينما الوزير فوق الحصان، وفوق الجميع فى زيه الإفرنجى، ليس بدلة رسمية ولكن بدلة “كاجوال” كحلى تحتها قميص سماوي، بحيث تنفي الرسمية وتحقق في ذات الوقت الأناقة الثمينة التي تجعله فوق الحشد.

الحصان شامخ، والمرشح شامخ، ويتطلع إلى المستقبل ، أحمد الخطيب دائرة العاشر من رمضان.
الحصان شامخ والمرشح كذلك، أحمد الخطيب دائرة العاشر من رمضان

الصورة تقول الكثير، فهي تضع المرشح في برواز الباشا الإقطاعى. والبرواز جاهز تمامًا بعد أن تحول كل المزارعين الملاك منهم والأجراء إلى معدمين مثلما كانوا قبل يوليو 1952، بينما خلق عصر مبارك إقطاعًا جديدًا فاق إقطاع ما قبل يوليو. ولم يبق لأباظة المرشح الوزير إلا أن يدخل رمزيًا فى برواز الباشا فاختار الحصان لا السيارة، لتكتمل صورة الإقطاعى ويستدعى كل تراث الإهانة.

ليس للسيارة تاريخ فى القهر مثلما للحصان، على الرغم من أن الباشوات كانوا يذهبون إلى عزبهم بالسيارات لا الخيول. راكب السيارة قريب من الأرض ولا يمكن أن يطارد فلاحًا بالكرباج من شباك سيارته، لكنه يفعل ذلك من فوق حصان، ولا يمكنه سحل مزارع بربطه فى صدّام السيارة لتأديبه، لأن ذلك سيحول الأمر إلى جريمة قتل وليس مجرد تأديب للمسحول وتخويف للمشاهدين، كما حدث فى سحل محمد أبوسويلم فى فيلم “الأرض”.

لم يكن هناك مزمار خلف الوزير المرشح في انتخابات 2010، واختفى الحصان تمامًا في انتخابات 2012، لكنه عاد للظهور بكثافة ، ودائمًا مع المزمار البلدي في انتخابات 2015 الأمر الذي يعكس الحالة الاحتفالية للحملات الانتخابية؛ فلا منافسة حقيقية، وما من كلام يمكن أن يكون أهم من صوت المزمار.

الحصان البرلماني المصري لا اعتزاز لديه كالذي لدى حصان مدعوم من إمبراطور، وليس له أية حرية في اختيار مساره، دائمًا ملجوم، بيد شخص آخر غير النائب المحتمل الذي يبدو من حذره أنها المرة الأولى التي يمتطي فيها صهوة جواد.

تائه أو خائف وسط جمهور سعيد، لا يرجو لمرشحه الكريم سوى الانتقال الآمن من فوق ظهر الجواد إلى عنق البلاد!

 

 

قام أمين أباظة بجولته يوم 12 أكتوبر 2010 ونجح في دخول البرلمان المزور الذي عجل بنهاية حكم مبارك. وفي 8 مايو 2011 حكمت جنايات الاسماعيلية عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة تسهيل حصول رجل أعمال على عشرة آلاف ومائة وخمسة أفدنة من أراضي الدولة، وفي فبراير 2013 قبلت محكمة النقض إعادة محاكمته. وفي 2015 قدمت الأسرة الأباظية مرشحًا آخر.
قام أمين أباظة بجولته يوم 12 أكتوبر 2010 ونجح في دخول البرلمان المزور الذي عجل بنهاية حكم مبارك. وفي 8 مايو 2011 حكمت جنايات الاسماعيلية عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة تسهيل حصول رجل أعمال على عشرة آلاف ومائة وخمسة أفدنة من أراضي الدولة، وفي فبراير 2013 قبلت محكمة النقض إعادة محاكمته. وفي 2015 قدمت الأسرة الأباظية مرشحًا آخر.