الشيطان..قصص لخليل فاضل

VICTOR ORSEL
VICTOR ORSEL

أعطى خليل فاضل مجموعتين قصصيتين متميزتين في وقتهما (الطير يهاجر إلى كون سرمدي 1986 ـ البنت والنورس ، 1991) ثم أخذه تخصصه، ونشر العديد من الكتب في الطب النفسي، والآن يعود إلى ، ملعبه الأول بنصوص جديدة عذبة  ومن نص بعنوان الشيطان اخترت هذه المقاطع الثلاث.

(1)

تمَّهلت البنت ثم قالت لأمها:

  • أنت الشيطان، أعدمتِني العافية وأنا صغيرة، حرمتِني من طفولتي ومراهقتي .. قتلتِ الفرحة في قلبي، سرقتِ عمري وأسقيتِني الذل والهوان.. أنتِ الشيطان.

ارتبكت الأم ونظرت في عيني ابنتها، صرخت في وجهها:

  • كيف أكفِّر عن كلِّ ذلك؟
  • تأتين معي إلى الكنيسة .. أراك تصلِّين، تعترفين، وتتناولين.

***

عادا إلى المنزل بعدما ذهبا إلى الكنيسة سويًا.

البنت تعيش داخل صندوق تملؤه كتب المذاكرة، تمثال العذراء، صليبٌ خشبيّ، الكتاب المقدس، صورة البابا شنودة وصورة الأب .. الذكر الوحيد في البيت.

وقفت البنت أمام المرآة، تلمَّست صدرها وبطنها وموضع عِفتِّها، رأت انعكاس صورة أمِّها خلفها تنظر إليها نظرةَ الشرِّ والخطيئة.

ركعت البنت على الأرض، أمسكت ببطنِها وبكتْ، ثم صرخت قائلة:

  • عاد الشيطان من جديد.

جحظت عينا الأم، انطلقت مسرعةً من الباب إلى الدرج إلى الشارع .. تحثّ الخطى بلا توقف.

دخل الشيطان من النافذة مع بعض النسائم القوية التي هزَّت الستائر، كان شديد الشبه بجيمس بوند، أمريكي من أصل إيطالي، مدَّ لها يده فقامت، احتضنها .. نامت على صدره وراحت في سُباتٍ عميق.

 

(2)

أنا التي ظُلمت في الحلم واليقظة.. في الافتراض والواقع.

ظلمٌ بيِّن مؤلم مؤذي يحفر في العظم أخاديد ترويها ماء النار.

(عدَّى من العُمر خمسون سنة نشأت قسطًا منها في بيتٍ غريب جدًا.

كيف لي بالعمرة وأنا لا أنام إلا وحدي، أصحو على أغرب الأحلام وأشدها وطأة عليّ. في العمرة لابد من رفيقة ولا مكان للظلم .. لا في اليقظة ولا في المنام.

هكذا يقول الحراس عند مكان رميّ الجمرات، يرجمون الشيطان في النهار فيأتيهم في الليل، يظلمني الشيطان ثم يهدهدني وينصرف.

أبي كتلة نارية .. وأمي كرةَ ثلج تسقط من فوق الجبل .. تجمع مِزَق الوَرق، قِطع الخشب والحَصى والأوساخ. تكبُر تقسو تظلِم وتمشي تتبختر كامرأة العزيز.

أبي يعاقر الخمر وأمي تدمن السحلب وأنا أتجرع التمرهندي مع المُرّ ليل نهار.

أبي ضابط شرطة له سوطٌ وجاه وصولجان، يعذّب الناس ويستغفر الله العظيم من الشيطان الرجيم، حاول معي أن أعمل ضابطة؛ فأصبحت محامية أرفع القضايا ضد الظلم، زوّجني رغم أنفي ضابطًا مُهذبًا مؤدبًا يُدَرِّس حقوق الإنسان في أكاديمية الشرطة.

الأب هو الرب هو الشيطان.

أرفض رجلًا يشبه أبي .. في الحلم وفي اليقظة يأتيني في الليل، يشبه زوجي رغم دماثة خلقه وجمال يديه ونعومتها، ورغم لمعان شعره الأسود ونصاعة جبينه العريض، رغم عطره الباريسي الحريمي، أرفضه.

زوجي له وجهٌ جميل بلا انفعالات.

أكتفي بالأحلام واكتظاظها بالأجساد هنا وهناك).

 

(3)

أمي سيدة أعمال وأبي شيخ طريقة.

أي عشيقة أو صديقة أو بنت ليل هي لأمي بنت الشيطان.

أنا تزوجت أمي نفسيًا منذ زمن، وأبي ترك لي مفاتيح البيت والسيارة ومضى يسعى في المدينة.

أحس أحيانًا أن الشيطان يشتهيني وأنا أشتهي كل النساء، كلماتي مفضوحة وعيناي مرآتان تشتعلان بالرغبة .. اقتربت ـ عمدًا ـ من أبي فتوارت أمي.

أخشى اختفائي، وتلاشى عضوي، ستكون الهزيمة قاسية لثلاثتنا تمهيدًا للموت.

وهكذا كان هاملت.