تكلفة الفساد..كيف حسبها المستشار جنينة؟!

كان توضيحًا غير ضروري ذلك الذي حمله بيان الجهاز المركزي للمحاسبات السبت الماضي، بتأكيد أن مبلغ الستمائة مليار جنيه التي وردت في تصريحات سابقة للمستشار  هشام جنينة رئيس الجهاز هي تكلفة الفساد في السنوات الأربع الماضية وليس في عام 2015 كما نشرت الصحف.

لم ينس البيان بالطبع مناشدة الإعلام تحري الدقة منعًا للبلبلة، مهيبًا بكافة وسائل الإعلام تحري الدقة والتواصل مع المكتب الإعلامي بالجهاز. ولم نعرف هل كان الإعلام مخطئًا بالفعل أم لا؛ فعادة النفي أصبحت سلوكًا معتادًا لدى المسئولين، والإعلام من كثرة أخطائه أصبح “لبيس تهم”.

الصحيفة التي نشرت التصريحات المطولة المنسوبة لرئيس الجهاز لم تدافع عن نفسها أو توضح ملابسات النشر.  لكن أحد المحامين كان أسرع من الصحيفة التي لم تؤكد ومن المكتب الإعلامي لجهاز المحاسبات الذي نفى؛ حيث المحامي الغيور ببلاغ لنيابة استئناف الإسكندرية ضد المستشار جنينة يتهمه فيه بإذاعة أخبار كاذبة تضر بالاقتصاد الوطني!

كيف تأتى للمحامي أن يعرف أن الأخبار كاذبة؟ الله وحده يعلم، لكن تقسيم المبلغ على السنوات الأربع، لا يمكن أن ينهي حيرة أي مواطن غيور؛ فالمئة وخمسين مليارًا للفساد سنويًا ليست معدلاً معتدلاً يثير الطمأنينة،  مع الأخذ في الاعتبار ما لم يحصه جهاز المحاسبات؛ فالجهاز ليس بوسعه أن يعرف كل دبة فساد. والأهم من الأرقام أن المواطن الغيور على البلد أو على رزقه لم ير مرتكبي هذا الفساد داخل السجون.

في الحقيقة فإن البيان التصحيحي لمنع البلبلة لم يزدنا إلا بلبلة، وبعد أن كان اللغط حول الرقم أصبح حول أشياء كثيرة، منها ظيفة الجهاز المركزي للمحاسبات، إذ جاء بالبيان أن هذا التقدير جاء بناء على دراسة تمت بطلب من وزارة التخطيط؛ فهل تحول الجهاز من جهة تبادر إلى مراقبة المال العام إلى بيت خبرة يعمل بطلب من جهات أخرى؟ وماذا يفعل موظفو الجهاز بالضبطية القضائية التي يتباهون بها كوردة في عروة الجاكتة؟ من الذي يعطل محاسبة الفاسدين؟

السؤال الأصعب من كل الأسئلة يتعلق بإمكانية حساب تكلفة الفساد رقميًا، وهل يمكن حقًا الارتكان إلى لغة الأرقام عندما نتحدث عن خسائرنا بسبب الفساد؟

الإجابة باطمئنان بالنفي؛ فأهم ما تخسره الدولة من ظاهرة الفساد ليس الاختلاسات النقدية ولا العمولات غير الشرعية ولا الأجهزة غير المطابقة للمواصفات ولا الأبنية الزائدة عن الحاجة، بل انكسار الروح الذي لا يقدر بثمن.

فقدان الأمل في المستقبل هو الخسارة الكبرى التي لاتستطيع لغة الأرقام حسابها، لكننا نستطيع أن نرى بوضوح أثر هذه الخسارة في فقدان الانتماء إلى مكان العمل وفقدان الانتماء إلى البلد ككل، وخلف هذا الشعور الخطر تختفي أسباب تقويض الدولة.

ولا يمكن للأغاني الحلوة أو الخطابات الدافئة أن تخلق انتماءًا أو تدفع إلى العمل، بينما يعيش الفساد طليقًا؛ فحتى لو وجدت الأغاني والخطب آذانًا تستجيب فالفساد لا يترك مجالاً للاجتهاد، حيث يعمل الفساد في شكل شبكات محكمة يتضامن أفرادها، ويشكلون منظومة طاردة للكفاءات والضمائر من أجل حماية السر. وسواء تم إقصاء الكفاءات غصبًا أو تنحت عن الطريق إيثارًا للسلامة؛ فالنتيجة هي ما نراه في مواقع العمل بالحكومة والقطاع العام من شلل شبه تام.

فهل يمكن لجهاز محاسبات أن يحسب تكلفة الإضراب الصامت الذي يخوضه الموظف المصري بكفاءة تضاهي كفاءة الفساد في تقويض الدولة؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصري اليوم

http://www.almasryalyoum.com/news/details/864386