زهور سامة على قبر الثورة

Slavoj Žižek
Slavoj Žižek

من يحلل الخطاب الإعلامي الصاخب في مصر، سورية، اليمن، أو حتى في اليونان، يرى إغراق النقاش بكل بلد في ورطته الخاصة، وكأن ذلك البلد وحيد على الكوكب، وكأن معضلته بلا سابقة في التاريخ!

والحقيقة غير هذا، لكن رؤية المشهد في وجهه العالمي يحتاج إلى عقل قادر على الطفو فوق بحيرات دم الأضحيات البشرية. وهذا ما فعله المفكر السلوفيني سلافوي جيجيك في كتابه الذي تحمل ترجمته العربية عنوان “سنة الأحلام الخطيرة”.سنة الأحلام

الكتاب الذي ترجمه أمير زكي، يقرأ أحداث 2011 في عمومها: ثورة الربيع العربي وتوابعها الغربية من احتجاجات اليونان وإسبانيا وإيطاليا، حتى حركة “احتلوا وول ستريت” في أمريكا. الطريف أن النسخة الإنجليزية من الكتاب صدرت عام 2012 كما صدرت ترجمته العربية  عن عن دار التنوير بالقاهرة وبيروت وتونس عام 2013 وقد بقي على جدول قراءاتي منذ ذلك التاريخ!

وعندما جاءتني الفرصة مؤخرًا انقطعت للكتاب بتركيز وغبطة، فأما التركيز فيحتاجه الكتاب، وأما الغبطة فلأنني كتبت مع المفكر الإيطالي أرماندو نيشي والصديق حسين محمود بيانًا في 2012 كذلك، يدعو إلى عولمة الغضب في مواجهة عولمة الاستغلال، وقد أنشأنا له صفحة على الفيسبوك بعنوان “إيوتوبيا” أي المكان الطيب الذي نعيش فيه معًا.

على أية حال؛ يبدأ جيجيك كتابه بمثل فارسي”ورم نام نهادن” وعلى عهدته فهو يعني: “أن تقتل شخصًا، وتدفن جُثته، ثم تزرع زهورًا حول الجثة لتخفيها” ويضع أحداث العام في سياقها العالمي، كما يعود إلى التاريخ لنكتشف في النهاية أن الآليات واحدة دائمًا في بلاد العُرْبِ كما في أمريكا واليونان، وأن الديكتاتور المعاصر يفعل ما سبق أن فعله نابليون وهتلر، من اختراع العدو أو تعزيز وجوده، للتغطية على مطالب التغيير.

ويرصد جيجيك مساهمة الإعلام الكبرى في جريمة قتل التحرر الجذري، وتنمية الزهور حول. ويضرب مثلاً بالأزمة اليونانية. هناك قصتان حولها. أولاهما القصة الألمانية عن اليونانيين الكسالى المبذرين المتهربين من الضرائب. والقصة الثانية هي قصة اليمين اليوناني حول السيادة القومية المهددة من قِبل الاستعمار المراوغ القادم من بروكسل. وبين القصتين تنشأ القصة الثالثة، التي تصور اليونانيين كضحايا إنسانيين بحاجة إلى مساعدة، كأن كارثة طبيعية أو حربًا ضربت البلد!

القصص الثلاث زائفة، لكن أقذرها هي الثالثة، التي تريد أن تخفي حقيقة أن اليونانيين في حرب ضد الوضع الاقتصادي الأوروبي الذي أصبح فاسدًا بطبقة رؤساء البنوك وموظفي البورصات أصحاب المرتبات الخيالية.

لا يتخلى الاتحاد الأوروبي عن اليونانيين الكسالى، ويمدهم بالمساعدات، لكي يحافظوا على كسلهم أم لكي تستمر المنظومة الرأسمالية بكل تلفيقها واستغلالها؟! هل يمكن أن نضع مجلس التعاون الخليجي مكان الاتحاد الأوروبي في حالة الربيع العربي ؟!

القصص الثلاث تعمل جنبًا إلى جنب في كل البلاد التي شهدت أحلام التغيير، وهناك زهرة طيبة تمتد بها يد كريمة لإنقاذ الفقراء الكسالى الصاخبين، وزهرة سامة تهدد الهوية الوطنية (تتمثل في المهاجرين المسلمين بالغرب، كما يتمثل في داعش وأخواتها في بلاد الربيع العربي، وللمفارقة فإن آلافًا من الدواعش في العراق وسورية قادمون من الغرب!).

العدو واحد يتحرك في الاتجاهين، وهو بعض من تخيل الرأسمالية، إن لم تجده على الأرض لاخترعته. وقد حققت هدفها بإخفاء جثة التغيير الجذري، تحت التسويات الصغيرة، لكن الغضب لم يمت. والهدوء الظاهر مليء بثقوب آخذة في الاتساع.