أفاق المجنون هذا الصباح خارجا من نفق أمضى فيه ثلاثة أيام. أنضج قهوته على موقده الكحولي، ولا يعرف حتى الآن إن كان ما يحبه القهوة أو طقس إعدادها البطيء الذي يوهمه بامتلاكه ناصية الكسل.كلما أفاق لا يجد غير هذا الموقد الصغير وصوت فيروز يوهمه أن بوسعه ألا يفعل شيئا، وأن شارعا عنيفا لا ينتظره ليسلمه إلى عمل يكرهه ويتوجه إليه مع ذلك مخفورا بحراسة الضرورة كالمدفوع إلى محاكمة ظالمة.
اليوم، الكسل ليس وهما، لم يزل بينه وبين الصخب المعادي للروح يوم بليلة..
مع القهوة أخذ يعبث بمفاتيح الكميوتر ليتصفح الصحف..إنها لاتزال هناك تتابع حكمة ملوك الطوائف غير الحكيمة وإنسانية الألمان والفرنسيين الله يسترهم.
لم يجد شيئا قد فاته في الواقع. إلى النوم إذن فهو النشاط الإنساني الأكثر سلاما الآن، حصن سريره بحيث لا يزوره أحد ولا في الأحلام، نوم لا تعقبه إكراهات على اليقظة إلا إذا صدرت من الداخل، من حاجات الجسد ذاته، الجسد الذي ليس عليه إلا أن يخدم نفسه، في مدينة تغادر طبائع استبدادها وتتركه آمنا تحت خيمة كثيفة من الغيم والتراب تخفي الشمس، بينما يتولى شيش الشباك الخشبي إكمال العتمة.
في عزلة كهذه تنمو للروح حراشف تحميها مما عساه يكون في الحياة هذه الساعات، ثلاثة أيام بلا حركة إلا الضرورية من السرير إلى المطبخ أو الحمام، لم يجرب صوته إلا في بعض الهلوسات عن حياة أخرى يختار فيها أصدقاءه بانتقائية أكثر صرامة، يكتب فيها ما لم يكتب بعد، يتبع فيها قلبه بقوة أكبر ويلتقط فرص الحب الممكنة والمضيعة في حياته الأولى غباء أو خوفا أو مراعاة لـ “الأصول”.