قضية قصور الرئاسة..بقعة صغيرة في الثوب الأسود

مبارك

جاء حكم محكمة النقض برفض طعن مبارك وولديه على الحكم في قضية قصور الرئاسة، كمناسبة جديدة تكشف عن حجم الاستقطاب في المجتمع المصري، وتعزز  الصخب والعنف حول شخص مبارك ومسيرته، وهو في جوهره صخب معوق ومؤذ، يضع الفرعي مكان الجوهري، ويحاول دفن ثورة 25 يناير بدلاً من التقرب من أهدافها العادلة.

جاء رد أنصار مبارك عجائبيًا كالعادة، إذ توعدوا بالنزول إلى الشارع في 25 يناير، تنديدًا بالحكم ربما، أو تنديدًا بالثورة. وهناك بالطبع علامات استفهام كبيرة حول تمويل هذه الجماعة وسر قدرتها على الاستمرار في الوقت الذي اختفى فيه الصوت الآخر من أمام المحكمة، حتى صوت أصحاب الدم من أهالي الشهداء، وهذا موضوع آخر!

على النقيض من جماعة “آسفين يا ريس” ترك الحكم ارتياحًا في قطاع واسع من المصريين، من أجل ما سيترتب عليه من استرداد نياشين مبارك  وحرمانه مع ولديه من ممارسة الحقوق السياسية لمدة ست سنوات. وبالطبع يتعلق هذا المكسب الأخير بتغييب جمال مبارك تحديدًا، الذي كان قد بدأ يعد العدة للنزول إلى بركة السياسة الآسنة مجددًا، وقام بتجارب جس النبض من خلال ظهور أحمد عز مرشده الاقتصادي في الإعلام!

ويبدو أن البعض كان في انتظار هذا الحكم لإعادة تأكيد أن النزول في 25 يناير ضد مبارك كان عملاً مشروعًا، بعد أن تسرب الشك في صواب ثورة يناير إلى نفوس كثيرة، بفضل الغوغائية الأمنعلامية التي تبدو منتصرة حتى الآن على صعيد الدعاية، وبعد أن تم  تغييب بعض أصحاب الرؤى الجذرية وراء الأسوار، واعتماد طريقة الاغتيال المعنوي للبعض الآخر، وتجفيف الحياة السياسية بالشكل الذي بدا في انتخابات البرلمان.

هكذا صارت قضية أموال القصور المحك الوحيد لتقييم مبارك وأدائه في الحكم،  وتقييم ثورة خمسة وعشرين يناير. والجدل العنيف حول القضية يضع شرف مبارك في مقابل شرف الملايين التي ملأت ميادين مصر تطالب بسقوطه وشرف الشهداء والمصابين الذين خلفتهم الثورة.

ومن المثير للسخرية أن تصبح واقعة اختلاس 125 مليون جنيه قضية محورية، بينما الجريمة الحقيقية لمبارك هي قيادته لوابور زلط داس به روح مصر على مدى ثلاثين عامًا حتى سواها بالأرض. وقد أمعن في الدهس بركوب ولديه معه في قمرة القيادة خلال النصف الثاني من حكمه، فجمع إلى جرائم انهيار التعليم والصحة وترهل الإدارة وإفسادها جرائم الإخلال بتوازن الفرص بين المصريين، وتمكين قلة قليلة من ثروات البلاد بتشريعات ظالمة، الأمر الذي قتل الأمل في نفوس الغالبية العظمى من المصريين.

وعليه فإن القضية التي أثارت كل هذا الصخب ليست سوى بقعة صغيرة في الثوب الأسود، وقد تصلح كقرينة على فساد مبارك، لكنها تصلح في الوقت نفسه قرينة على سلسلة من سرقات الوعي مستمرة على مدى السنوات الخمس التي تفصلنا عن ثورة 25 يناير، تم فيها إفساد المزيد من الضمائر وتعميق فساد الضمائر التي كانت قد بدأت مسيرتها الفاسدة في عهد مبارك.

وأي حديث عن المستقبل يجب أن يتضمن الصراحة حول الجرائم الأخرى، لا بهدف القصاص من الرجل العجوز، بل بهدف البدء في إصلاح ما أفسده، لأن تطلعات 25 يناير المشروعة لن تموت، والصراع الاجتماعي والسياسي لا يتم حسمه لصالح أصحاب الصوت الأعلى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

http://www.almasryalyoum.com/news/details/871938