لم يكن يعرف شيئاً عن المدينة، التي رغم خلائها المخادع، تخفي سراديب لتربية وتسمين الغلمان

مغولي عاشت المدينة مسيجة بأسرارها. يبعث ذكرها الرهبة فى القلوب، ولم يكن أحد يعرف سر امتناعها على الغزو حتى مغامرة القبّار.

كان السلطان الأعظم الذى لم ينهزم له جيش يستعرض مع قواده حدود مملكته التى امتدت من اللهيب إلى الجليد عندما لمح نقطة سوداء وسط المملكة المترامية. سأل عن تلك النقطة فلم يظفر الا بصمت القواد الذين قوضوا الممالك وطووا السهول والجبال وأخضعوا البشر والوحوش.

وأعاد السلطان سؤاله فتبادل القواد النظرات الكسيرة، ثم خروا بين يديه ساجدين. عند ذلك أشار السلطان فقاموا وألقوا تحت قدميه أنواطهم ونياشينهم وألواح الشرف التى يحملون، ثم أمر بهم فجُردوا من بزاتهم وألبسوا أسماء نساء ساروا بها عراة إلى مواطن الجليد لتخلد أجسادهم فى مشهد للذل لا تنساه الأجيال. وتفرغ السلطان بنفسه لتدريب جيش من ألف ألف رجل وألف ألف حصان، خرج بنفسه فى وداعه إلى مسيرة سبعة أيام أسلم بعدها قيادته لأشجع أبنائه فى احتفال مهيب، وأمره الا يعود إلا بمفتاح المدينة أو ليمكث بجيشه على قمة أحد الجبال حتى تتخاطف أشلاءهم النسور.

وبعد سبعين يوما كان الجيش على أبواب مدينة لا أثر فيها لحياة. جابوا الشوارع بالأقواس المشرعة اتقاء لخدعة قد تفاجئهم فلم يروا أثرا لمقاومة، حتى وصلوا حديقة شاسعة مسيجة بسياج قصير من نبات أذن الفيل لا يتعدى ركبة الإنسان.

أمر القائد جنوده باجتياز السياج بغية الراحة وإطعام الخيول المجهدة؛ ففوجئوا بالسياج يطير فى وجوههم وقد تحول إلى صقور، لم ير القباريون شراستها من قبل، تمتص عيون الفرسان والخيل.

ويقال إن القبَار مات من فوره عندما وجد نفسه فى مواجهة أحب أبنائه إليه  وألف ألف رجل وألف ألف حصان وقد انفتح فى كل وجه من وجوههم قبران.مغولي 2

ولحق القائد الأعمى بمولاه بعد أيام قليلة، لا بسبب الهزيمة وإنما بسبب مالحقه وجنوده ـ الذين يحترمون نساءهم أيما احترام ـ من عار عندما اتهمه كاهن عجوز بأنه دخل الحديقة من أجل هدف لا يليق بفرسان القبَار.

والحقيقة أن القائد لم يكن يعرف شيئا عن الحديقة، التى ـ رغم خلائها المخادع ـ تخفى سراديب لتربية وتسمين الغلمان الذين ينتزعهم اللصوص أطفالاً من فوق صدور أمهاتهم ويحملهم التجار من المدن البعيدة، وأولئك الذين يهبهم ذووهم تقرباً إلى إلهة اللذة، أو الذين تلدهم البغايا المقدسات. وهناك يحممون بالزعفران والكافور ويتطيبون بالمسك وتدلك أجسادهم، ويغذون على ألبان النوق الجيدة وأفضل أنواع العسل والتمر. وفى كل صباح يرتدون قمصانا معطرة من الحرير ويخرجون إلى طقس العبور، حيث يمرون طابوراً على شبكة مشدودة بين جدارين، من يسقط من بين فتحاتها يعاد إلى مكانه فى المزرعة، أما من تحجزه مؤخرته عن السقوط فيتم تخليصه من الشباك ويساق إلى غرف إزالة الزغب والتحميم والتدليك والتزيين ثم يُدفع به عبر سرداب إلى قصر الأمير.

ويقال إن هناك سراديب أخرى تتصل بقصور السادة من ذوى المكانة الخاصة، الذين يقعون على الغلام حتى تزهق روحه، فيُحمل إلى المحرقة عبر نفق آخر، حيث يحرق ويذرى رماده، بينما الكهنة يتلون نصوصاً مقدسة تطِّوح بالدخان والرماد إلى العالم الآخر ليكون فى خدمة الأسلاف.

وعلى كل، فإن ذاكرة المدينة تحتفظ بذكرى هزيمة جيش السلطان الأعظم، كآخر هزيمة لجيش فاتح، فرغم أن الغزوات لم تتوقف، إلا أن الغزاة تعلموا ألا يحملوا الأقواس أو السهام؛ وإنما علب اللبان والبطاطس المحمرة والمياه الغازية وأفلام الجنس، من دون أن يجرؤ أحدهم على الاقتراب من المزرعة، باعتبارها مكاناً مقدساً.

————————————————-

فصل من “مدينة اللذة”