خذوا الحكمة من أفواه المسربين

تسريب الامتحانات ليس جديدًا، لكنه يتم في كل عام على نطاق محدود في مدرسة هنا أو هناك، منذ بداية انحدار الهدف من التعليم وتحوله من وسيلة للمعرفة إلى سباق للحصول على شهادة تحقق وضعًا اجتماعيًا دون التعويل عليها في كسب الرزق الذي سيأتي بطرق أخرى. لكن عمليات التسريب ظلت متكتمة، بما يعني أن مرتكبها يعتبرها جريمة يعاقب عليها القانون، وربما تمس بالشرف.

من جهتها كانت  سلطات التعليم تتحفظ على مثل تلك الأخبار، حفاظًا على الشكل، انسجامًا مع منظومة الكذب التي تعمل بنجاح على مدار العام لتخريج أجيال من الحفظة والجهلة الذين لم ينالوا وعيًا أو ثقافة من خلال المدارس، بل مجرد محو أمية يؤهلهم لأن يكونوا أداة في يد صُناع التشدد والإرهاب.

الجديد هذا العام هو شيوع التسريب عبر موقع إلكتروني، مشفوعًا ببيان سياسي يذم فساد التعليم الشكلاني، الذي يربط تفوق الطالب بالقدرة المالية لأسرته، الأمر الذي خلق طبقية التعليم. ويطرح البيان روشتة الإصلاح: تطوير المناهج والاعتماد على التكنولوجيا وإلغاء الطبقية في التوزيع على الكلياتز ولم ينس القراصنة حقوق المعلم وواجباته.

لا يشبه هذا التسريب في تاريخ التعليم المصري إلا تسريب عام 1967 عبر إذاعة إسرائيل، الذي تسبب في تعليق الامتحانات وتأجيلها. أراد لعدو إفقاد المصريين الثقة في نظامهم السياسي الذي خسر الأرض ولم يستطع أن يحمي سرية الامتحانات، بما يعني أنه خسر سلطته، وأن مصر صارت في حالة فوضى داخلية. باختصار، كان هدف العدو  إحكام هزيمة مصر.

لم تكن إسرائيل في حاجة إلى بيان لتأكيد أهدافها الواضحة، بينما حرص المسربون هذا العام على تصوير ما اقترفوه وكأنه فعل مقاومة ضد منظومة تعليم خربة، في تطابق مع ما أعلنه مرتكبو تسريبات مسلسلات رمضان ، الذين أعلنوا أنهم  يفعلون ذلك احتجاجًا على ظاهرة الاحتكار أو الحصرية في عرض المسلسلات.

لا يستطيع أحد أن ينكر الخراب الذي حل بصناعة الدراما في مصر، وهذا يحتاج إلى وقفة أخرى، مثلما لا يستطيع أحد  أن ينكر فساد منظومة التعليم وكذبها، دون أن نغفل إمكانية وجود دافع خفي لم تقله البيانات، وهو الحرب على السلطة والنزاع السياسي معها، وهذا ينسجم مع استراتيجية التسريبات المعتمدة في النزاع السياسي في هذه الحقبة.

لكن هذا لا يعني إغفال الحقيقة التي نطق بها المسربون، بل إن ما جاء بببياناتهم  قاله على مدى سنوات كل الغيورين من خبراء التعليم والكُتّاب الذين يعرفون أن بناء أهرامات جديدة لن يعني شيئًا بدون إصلاح التعليم ونزع غدة الكذب التي تحكمه، والتي تجعلنا نكرر العمل الواحد مرتين: مدارس معطلة ومفتوحة شكليًا في مقابل مراكز تعليم خاصة، كتب وزارة تُطبع ليكون مصيرها صناديق قمامة البيوت أخر العام جديدة لا تُمس لأن كُتب ومذكرات المدرسين الخصوصيين تحل محلها، مدرسون يتقاضون مرتبات غير كافية مقابل تأدية لاشيء، ومدرسون يستعبدون أولياء الأمور ويستنزفونهم ماديًا من أجل تخريج طالب يحمل ذاكرة آلية تطفح معلوماتها على ورقة الامتحان لتنال شرف دخول كلية الطب أو الهندسة، لتواصل مسيرة التسجيل، ثم تفرغ الرأس مجددًا، ونرى المهندس الذي تخرج بهذه الطريقة يلتقط لنفسه صورة سيلفي بلباس داعش في الصحراء السورية!

حان وقت الإفاقة، وليس من العيب أن تأخذوا الحكمة من أفواه المسربين.

"Clown Painting", A. Dubsky, from book titled "Clown Paintings", by Diane Keaton
“Clown Painting”, A. Dubsky, from book titled “Clown Paintings”, by Diane Keaton

تسريب الامتحانات ليس جديدًا، لكنه يتم في كل عام على نطاق محدود في مدرسة هنا أو هناك، منذ بداية انحدار الهدف من التعليم وتحوله من وسيلة للمعرفة إلى سباق للحصول على شهادة تحقق وضعًا اجتماعيًا دون التعويل عليها في كسب الرزق الذي سيأتي بطرق أخرى. لكن عمليات التسريب ظلت متكتمة، بما يعني أن مرتكبها يعتبرها جريمة يعاقب عليها القانون، وربما تمس بالشرف.

من جهتها كانت  سلطات التعليم تتحفظ على مثل تلك الأخبار، حفاظًا على الشكل، انسجامًا مع منظومة الكذب التي تعمل بنجاح على مدار العام لتخريج أجيال من الحفظة والجهلة الذين لم ينالوا وعيًا أو ثقافة من خلال المدارس، بل مجرد محو أمية يؤهلهم لأن يكونوا أداة في يد صُناع التشدد والإرهاب.

الجديد هذا العام هو شيوع التسريب عبر موقع إلكتروني، مشفوعًا ببيان سياسي يذم فساد التعليم الشكلاني، الذي يربط تفوق الطالب بالقدرة المالية لأسرته، الأمر الذي خلق طبقية التعليم. ويطرح البيان روشتة الإصلاح: تطوير المناهج والاعتماد على التكنولوجيا وإلغاء الطبقية في التوزيع على الكلياتز ولم ينس القراصنة حقوق المعلم وواجباته.

لا يشبه هذا التسريب في تاريخ التعليم المصري إلا تسريب عام 1967 عبر إذاعة إسرائيل، الذي تسبب في تعليق الامتحانات وتأجيلها. أراد لعدو إفقاد المصريين الثقة في نظامهم السياسي الذي خسر الأرض ولم يستطع أن يحمي سرية الامتحانات، بما يعني أنه خسر سلطته، وأن مصر صارت في حالة فوضى داخلية. باختصار، كان هدف العدو  إحكام هزيمة مصر.

لم تكن إسرائيل في حاجة إلى بيان لتأكيد أهدافها الواضحة، بينما حرص المسربون هذا العام على تصوير ما اقترفوه وكأنه فعل مقاومة ضد منظومة تعليم خربة، في تطابق مع ما أعلنه مرتكبو تسريبات مسلسلات رمضان ، الذين أعلنوا أنهم  يفعلون ذلك احتجاجًا على ظاهرة الاحتكار أو الحصرية في عرض المسلسلات.

لا يستطيع أحد أن ينكر الخراب الذي حل بصناعة الدراما في مصر، وهذا يحتاج إلى وقفة أخرى، مثلما لا يستطيع أحد  أن ينكر فساد منظومة التعليم وكذبها، دون أن نغفل إمكانية وجود دافع خفي لم تقله البيانات، وهو الحرب على السلطة والنزاع السياسي معها، وهذا ينسجم مع استراتيجية التسريبات المعتمدة في النزاع السياسي في هذه الحقبة.

لكن هذا لا يعني إغفال الحقيقة التي نطق بها المسربون، بل إن ما جاء بببياناتهم  قاله على مدى سنوات كل الغيورين من خبراء التعليم والكُتّاب الذين يعرفون أن بناء أهرامات جديدة لن يعني شيئًا بدون إصلاح التعليم ونزع غدة الكذب التي تحكمه، والتي تجعلنا نكرر العمل الواحد مرتين: مدارس معطلة ومفتوحة شكليًا في مقابل مراكز تعليم خاصة، كتب وزارة تُطبع ليكون مصيرها صناديق قمامة البيوت أخر العام جديدة لا تُمس لأن كُتب ومذكرات المدرسين الخصوصيين تحل محلها، مدرسون يتقاضون مرتبات غير كافية مقابل تأدية لاشيء، ومدرسون يستعبدون أولياء الأمور ويستنزفونهم ماديًا من أجل تخريج طالب يحمل ذاكرة آلية تطفح معلوماتها على ورقة الامتحان لتنال شرف دخول كلية الطب أو الهندسة، لتواصل مسيرة التسجيل، ثم تفرغ الرأس مجددًا، ونرى المهندس الذي تخرج بهذه الطريقة يلتقط لنفسه صورة سيلفي بلباس داعش في الصحراء السورية!

حان وقت الإفاقة، وليس من العيب أن تأخذوا الحكمة من أفواه المسربين.

_________________________________

مقالي في “المصري اليوم”  الثلاثاء14 يونيو