سريعًا راحت سكرة الاستفتاء، وبدأ البريطانيون يتحدثون عن عمليات التضليل التي مارسها أنصار الانفصال، عن مساوئ الديمقراطية التي جعلت المسنين المقبلين على الموت يتحكمون في مستقبل لن يكونوا موجودين فيه، إشارة إلى ارتفاع نسبة التصويت لصالح الانفصال بين كبار السن.
ورغم كل شيء فقد أصبح الانفصال واقعًا طبقًا لقرار اتخذه 52% من البريطانيين، كان دافعهم الأكبر للانفصال هو التخلي عن حصة المهاجرين التي يتعين على بريطانيا قبولها طبقًا لسياسة الاتحاد الأوروبي الإنسانية. وقد تلبس هذا الموقف العنصري من المهاجرين الكثير من المسوح، منها ما يتعلق بالحصة المالية التي تساهم بها بريطانيا في ميزانية الاتحاد ومنها الموقف الفوقي من دول مثل بلغاريا ورومانيا تتمتع بالمساواة مع بريطانيا في إطار الاتحاد.
وكان الرد الرسمي من الاتحاد الأوروبي على النشوز البريطاني هو طلب إنهاء إجراءات الانسحاب دون إبطاء. والأولى بالاتحاد الأوروبي أن يعيد دراسة سياساته في الشرق الأوسط في ضوء نتيجة التصويت البريطاني.
وفي الحقيقة فإن أوروبا الموحدة لم تعط نفسها الفرصة في الاستقلال عن التوجه الأمريكي من القضية الفلسطينية طوال تاريخ هذه القضية المغذية لكل أشكال التطرف وعدم الاستقرار، وبالقدر نفسه لم يكن لديها توجهها المختلف عن التوجه الأمريكي الذي استدرج الربيع العربي وحوله من ثورات شعوب تتطلع إلى الحرية إلى حروب دموية. وحتى بعد أن ظهرت النتائج المدمرة لهذه السياسة يتحدث القادة الأوروبيون عن حرب ضد الإرهاب، دون أن يتحدثوا عن تمويل الإرهاب!
أمريكا المحتمية بموقعها البعيد خلف المحيط بوسعها أن تفعل ذلك، لكن أوروبا القريبة من العالم العربي وأول من يستقبل نتائج فشله، كان عليها أن تنتهج سياسات أقل توحشًا وأكثر إنسانية، لكنها اختارت الوحشية فيما يتعلق بالحرب، وعندما طرق اللاجئون أبوابها أرادت التحلي بإنسانية لم تعجب 52% من البريطانيين؛ فكان هذا الانسحاب الذي قد يكون بداية لسلسلة من التداعيات تجعل بقاء الاتحاد الأوروبي مستحيلاً.