سعاد حسني..الأسطورة تستيقظ

سعاد2

بالنسبة للبعض هي عين تحتضن، وعند آخرين هي صوت يضحك أو صدر يتنطط بهجة على الشاطئ، وهي فراشة في فستان بجيبونة تطير أكثر مما ترقص مع ممثل، دائمًا ما نرى أنه ليس خيالها.

هي في كل الأحوال دفء الأنوثة العصي على الوصف. وكان لابد أن تموت؛  فالموت الذي اعتاد أن يضع نهاية للحياة العادية،  يفعل مع الحياة النادرة فعلا مختلفا: يحرر أسطورتها من ثقل الجسد فتنتبه.

هكذا كان موت مارلين مونرو وديانا وهكذا هو موت سعاد حسني[1] الذي سيوقظ أسطورتها.

عاشت سعاد حاضرة بيننا بالهدوء المكتمل للأسطورة النائمة..عاشت قريبة قريبة إلى درجة لم تسمح بمسافة تكفي لإدراكها كذات منفصلة عن ذواتنا. وليس من قبيل المصادفة أن لقبها الفني البديل لا يتضمن معنى  السلطة والسيادة الذي تضمنته ألقاب فنانات سبقنها مثل لقب” سيدة الشاشة ” أو نجمات جئن بعدها يتنازعن ألقاب ” نجمة مصر الأولى ”  أو “نجمة الجماهير “..هي فقط “سندريلا” الجميلة الفقيرة التي حملها أميرها “الجمهور ” في أكثر زوايا قلبه حنانا.

لا تمتلك سعاد حسني حسية طاغية، مثل تلك التي تمتعت بها مارلين مونرو، وليس لها التلاشي الملائكي الذي كان لديانا،  ولكنها حرباء جميلة متعددة الوجوه، مثل نص خالد يسمح بعدد لا نهائي من القراءات .

هي ابنة الجيران الشقية بحركتها ـ شبه العفوية شبه المقصودة ـ بين الشرفة و الشباك تلهب خيالات الفتى العاشق في الشقة المقابلة. هي البنت التي تحمل حقيبتها على صدرها تحمي فرخي الحمام من العين الشريرة،  وتنبه العين المحبة إلى مخبأهما ( وضع الدلال الذي تبعتها فيه كل تلميذات مصر ولا يزال إلى اليوم الوضع المفضل لحقائب الجميلات الصغيرات عند أول إحساسهن بأجسادهن).

سعاد هي الحبيبة القريبة، التي يمكن تأسيس حياة من البهجة معها. هي الوجه المطيع في الأحلام،  الذي أدفأ بنظرته الراغبة ملايين الوسائد الخالية للشباب. وهي أيضا الأخت التي يستطيع الأخ أن يثق بها، ويفضي إليها بأسراره ويستعين بها كمرسال غرام إلى حبيبة، لم يمتلك الشجاعة على المواجهة الأولى معها.

وهي صديقة صديقتها،  وأخت أختها،  تطلع على أسرارها الحميمة وتحمل عنها رهبة أول النضج التي لم تنبهها إليها أم مشغولة أو جاهلة .وهي البنت المتعلمة الواعية التي يؤشر وجودها إلى تحضر أبوين أتاحا لها فرصة التعليم و لم يكونا على خطأ، إذ لم تعرضهما للخذلان .

وحدهن الزوجات كان موقفهن من سعاد حسني غير حسن؛  لأنها كانت الزوجة الثانية المحتملة لكل رجل له عين تفهم!

سعاد الوجه الجميل من دون التعالي الذي تراه في وجه لبنى عبد العزيز، البسيط حقًا وليس المتباسط كوجه فاتن حمامة.

سعاد الجسد الجميل بغير سطوة جسد هند رستم؛   رمز الطبقة الوسطى قصيرة العمر في مصر،  ولدت معها وعاشت ترجمانا لأشواقها. وعندما قدر للطبقة الراحلة أن تموت اضطجعت في حضن سعاد لتدفأ وتهنأ باحتضار سعيد،  وماتتا معا في عناق تراجيدي.سعاد1

مات من تمثل لهم سعاد حسني ومن تغني لهم أختها نجاة تحت التدافع العشوائي لمال المخدرات والسمسرة والفساد. كان لابد من رموز جديدة للجمهور الجديد. صار مطلوبا من الجسد الجميل المحتفى به كقيمة أن يغادر المشهد لصالح الجسد ” البضاعة “.

كان تحميل سعاد مسئولية فشل فيلم أو فيلمين أخيرين لها من قبيل الأحكام الخاطئة، وبنفس القدر لا يمكن تحميل من تعاملوا معها في هذين الفلمين مسئولية ذلك الفشل. فقط كان الزمن يتغير.

لكن ما نراه نحن شيء وما يراه كبرياء سعاد حسني شيء آخر،  فقد كان هذا الإحساس بالفشل الطعنة الثانية التي حملت سعاد إلى الموت بعد طعنتها في موت صلاح جاهين، إذ كانت للأسطورة صفتان لا يتمتع بهما سوى من يستمد شرعية وجوده من الناس: الحنان والكبرياء.

ماتت سعاد، ولم يكن سقوطها الغامض من شرفة في عاصمة الضباب سوى إجراء شكلي بقدر ما هو ضروري لتحرير أسطورة ستعيش طويلاً، طويلاً جدًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الميلاد: 26 يناير 1943

الموت: 21 يونيو 20001

البورتريه من كتابي “ذهب وزجاج”