صورة الواقع كما تبدو  من ثُقب حلق الحاجة زينب

تفوق حلق الحاجة زينب على كل ما عرضه التليفزيون في رمضان هذا العام من إعلانات صرف وإعلانات تتخللها المسلسلات، ومسلسلاتهي بحد ذاتها إعلانات.
فاز الإعلان  المليء بالشجن الذي يتميز بالبذخ في إنتاجه بأكبر  كم من الجدل  على صفحات التواصل، والحوارات المباشرة في لقاءاتالأسر والأصدقاء. من التعليقات ما يتساءل عن قيمة الحلق وتكلفة إنتاج الإعلان وبثه المتكرر، ومنها ما يتساءل عن هوية صاحبة الحلق،ومنها الساخر الذي  يتساءل عن رد فعل الدولة إذا علمت أن الحاجة زينب لديها حلق آخر لم تتبرع به!
وسط  كل هذه التعليقات كان هناك سؤال منطقي: «إذا كانت هذا هو حال المتبرعة، فلمن تذهب التبرعات؟!». لم يضع منتجو الإعلان فيحسابهم هذا السؤال، مثلما أنهم لم ينتبهوا إلى أن مضمون الرسالة الإعلامية والإعلانية يتأثر بالسياق الذي تُعرض من خلاله، وكان عليهم أنيتوقعوا أن بؤس الحاجة زينب الحماسي سيُعرض وسط  مسلسلات تقدم  صورًا لقصور من عوالم ألف ليلة ، كما تسبقه وتعقبه إعلاناتتقدم المنتجعات والمطاعم الفاخرة ومختلف ألوان الرفاهية. وبقدر من سوء الحظ وقدر من سوء التدبير أصبح إعلان الحلق اختصارًا دالاًلأوضا مؤلمة، ومن ثُقب طارته الدائرية الامعة بدت مساوئ الظاهرة الرمضانية وظاهرة الاقتصاد الاستهلاكي، وظاهرة انسحاب الدولة منمسئولياتها.
وليس من المصادفة أن الظواهر الثلاث [الرمضانية والاستهلاكية والدولة المحايدة] بدأت في توقيت واحد. ونستطيع أن نحدد منتصفالتسعينيات نقطة بدء للظواهر الثلاث المترابطة. في ذلك التاريخ قررت الدولة الانسحاب من مسئولياتها، والتخلي عن مؤسساتها الاقتصاديةعبر الخصخصة التي شابها ما نعرفه من عمليات النهب، مفسحة المجال أمام حرية الكسب في مقابل الصدقة لا الضرائب.
وفي الوقت ذاته بدأت صورة شهر الصوم تغادر مربعها الإنساني الديني الذي يقوم على أصوات المقرئين المميزين والأغنيات الشعبية،والمنولوجات الداعية إلى التقشف مثل ديالوج صباح وفؤاد المهنس الشهير، الذي لا يمكن أن تعرضه قناة تليفزيونية اليوم.
اتخذ رمضان ابتداءً من منتصف التسعينيات وجهًا استهلاكيًا استعراضيًا، من خلال مسلسلات لم تعد تناقش قضايا الطبقة الوسطى وتقدم بيوتها، بل تدور في القصور ربما دون قصة من الأساس، إلي جانب فخامة الصور الإعلانية، فحتى عندما يكون المعروض للبيع زجاجة زيتذرة، يذهب الإعلان بعيدًا ليقدم مائدة ضخمة في قصر!
استعراض الفخامة، يُبث جنبًا إلى جنب مع عاهات المرضى والمحتاجين التي تبدو في إعلانات جمع الأموال لتعويض أدوار الدولةالمنسحبة. في بدايات الظاهرة  كانت الدعوة للتبرع لا تتوجه إلى الفقراء خاصة، بل كانت مطلقة، وإن كان المقصود بخطابها الإعلانيالقطاع الأوسع من الجمهور، لأن رجال الأعمال يمكن مخاطبتهم بطرق الاتصال الشخصي. وعامًا وراء عام بات واضحًا أن المقصود هو أنيعيش كل فريق بما لديه، أي أن الفقراء صاروا مدعوين للتضامن مع أشخاص مثلهم أصابتهم مصيبة في البدن أو العائل.
ويأتي الخطاب التاريخي للحاجة زينب ـ الذي استعرضت فيه بؤس واقعها وبريق حلقها ـ علامة فارقة على واقع مقسوم بحدة، حيث يتمتدوير الفقر في مكانه؛ بتبرع الفقراء لأمثالهم، وفي المقابل نرى مبدأ تدوير الغنى في مكانه، حيث يستمتع الأغنياء بقصورهم في الإعلاناتوالمسلسلات وفي الواقع، دون أن نسمع عن تبرع أحدهم، أو تبرع ممثل أصبح غنيًا من تمثيل دور الرجل الغني في المسلسلات!
—————————————————–