كأنه ازدهار للرواية

في روايتي “غرفة ترى النيل” يقول رفعت بطلها المحتضر: “نحن لا نكتب إلا بما نملك من صفاقة”.

ظل رفعت روائيًا مؤجلًا، لم ينشر شيئًا لأنه كان في كل مرة يهم بارتكاب هذا الفعل يُفكر بعدد الروايات الجميلة التي قرأها فيستحي “ماذا بوسعي أن أقدم بعد كل هذا الجمال؟!” وهكذا مات من دون أن يعثر في داخله على قدر من الصفاقة يعينه على نشر رواية.

أظن أن التحلي بشيء من الحياء من شأنه أن يحجب ثلاثة أرباع ما يُنشر من روايات لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط الكتابة الروائية، وهذا افتراض خيالي بالطبع؛ فليس بوسعنا التعويل على الوازع الذاتي لدى من أدركه ولع الأدب كي يتخلى عن ولعه.

على أن رغبة المواطن الصالح في أن يصبح كاتبًا ليست كافية وحدها لتحويل نزوته إلى كتاب مطبوع. هناك بالطبع خلل في البنية الثقافية وصناعة النشر العربية، وهو السبب الأساسي في ظاهرة الوفرة الروائية التي لا تعكس ـ من وجهة نظري ـ ازدهارًا حقيقيًا لهذا الجنس الأدبي، بل انفلاتًا يشوش على القليل الجيد من الروايات، كما يصيب الأجناس الأخرى من الإبداع والفكر بظلم واضح.

نحن أمام بنية ثقافية كاذبة، ولابد لمن يؤمن بالأنساق أن يعترف بأن الكذب الثقافي طبيعي لأنه جزء من النسق السياسي الاجتماعي؛ فعندما يكون البرلمان يشبه البرلمانات من حيث الشكل فحسب، وتكون الانتخابات صورة زائفة عن الممارسة الديمقراطية، من الطبيعي أن تكون الثقافة مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي تقوم بانتقاء السطحي والزائف المنسجم مع نسق الزيف العام.

خلال عقود طويلة كانت هناك دائرة مغلقة قوامها المؤتمر والمجلة والشاشة، تلح على بعض الأسماء، فأصبح لدينا الروائي الشهير رغم أنه بلا قراء، ومع الوقت يصبح هذا الشهير قدوة للمنتسبين الجدد، وتصبح طريقته طموحًا لديهم.

بعد ذلك دخل المتغير الجديد الحاسم، وهو الجوائز ذات القيمة المادية الكبيرة بالتزامن مع تحول إيجابي في المجتمع العربي تمثل في تزايد الرغبة في القراءة، وهكذا لم تعد الزعامة الروائية معلقة في الهواء كزعامة القذافي، بل صار هناك قراء، وجدوا النوع الزائف هو المعمم؛ أي الأقرب من أياديهم.

وطالما تعلق الأمر بالشهرة؛ فقد اجتذبت الظاهرة الروائية مشاهير حازوا شهرتهم من مجال آخر، منهم على سبيل المثال عمرو خالد، الداعية المصري الذي يجمع بين تقنيات الدعاة وأساليب نجوم التنمية البشرية ومطرب الراب المصري زاب ثروت.

وكان من الممكن أن تنكسر هذه الدائرة على أبواب دور النشر، لو كانت لدينا تقاليد نشر مهنية، لكن صناعة النشر لن تخالف النسق، وليس بوسعها أن تخرج وحدها على منظومة الزيف، فصارت الدور مشدودة لا إلى الرغبة في ترسيخ كتابة تؤمن بها، بل في الاستفادة من شهرة المشهور توزيعيًا، والنشر لكل من لديه استعداد لتمويل طباعة كتابه!

وهكذا صارت لدينا الوفرة الخطرة التي يعدها البعض ازدهارًا!

——–
شهادتي لملف عن الرواية في جريدة النصر الجزائرية

http://www.annasronline.com/index.php/2014-08-09-10-34-08/2014-08-25-12-21-09/49968-2016-07-11-21-36-29