مقالي في المصري اليوم: نبأ وفاة جارتنا العجوز

 

s7201121141727
طلعت الشايب..الرجل المؤسسة

يقوم الصديق المترجم طلعت الشايب بجهد مؤسسة، إذ يُقدم على ترجمة الفكر السياسي  الذي يبدو مظلومًا. يفعل ذلك بدأب صامت، وقد قدم خلال العامين الأخيرين فقط  ثلاثة من الكتب الكبيرة هي: «الاستشراق الأمريكي» و«الأبيض المتوسط» ومؤخرًا «السياسات الخارجية الأوروبية.. هل مازالت أوروبا مهمة؟» لمجموعة من الباحثين بتحرير اثنين منهما هما رونالد تيريسكي، وجون فان أودينارن. ولابد من التنويه بأن مثل هذه الكتب ما كان ليصدر بسهولة، لولا وجود المركز القومي للترجمة، الذي يظل رغم عثراته أهم مؤسساتنا الثقافية.

جاء الكتاب في وقته، وعبر ٤٨٠ صفحة هي عدد صفحات الكتاب يحاول الباحثون الإجابة على السؤال «هل مازالت أوروبا ضرورية؟» حيث يتناول كل فصل دولة من دول الاتحاد المؤثرة، ومن خلال  سرد تاريخي لا يغفل محطات الصراع الدموي مع الأعداء القدامى الأشقاء الجدد، يصل في النهاية إلى بلورة ما ترجوه  وما تخشاه كل دولة من خلال وجودها في الكيان الموحد.

وإذا كان وجود «الآخر» هو أحد العوامل التي تحدد سمات «الأنا» فإن سمات الاتحاد الأوروبي ومستقبله لا يتحدد من عوامل اللقاء والاختلاف بين أعضائه فحسب، بل من خلال جيرانه، والفاعلين الآخرين في السياسة الدولية، وهناك ثلاث قوى تؤثر في فعاليته، وهي:

أولا: روسيا. وهي المشكلة الأبرز. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي استعادت أوروبا شطرها الشيوعي، ولكن هذا الكسب يقابله خسارة العازل بين أوروبا الغربية وروسيا التي يشعر غالبية مواطنيها بالمهانة من سقوط قوة الاتحاد السوفيتي، وليس القيادة فقط. ويستبعد الكتاب خيارات الحرب مع روسيا، بسبب التداخل الاقتصادي، لكنها تظل جارًا يستحق الانتباه.

ثانيًا: الولايات المتحدة. يمثل  التعامل بين أوروبا الغربية وأمريكا دائمًا حزمة من المنافع والأضرار، واستطاعت أوروبا في بعض المحطات أن تصوغ سياسة أوروبية شبه مستقلة، إلا أن بعض المحطات فرضت على أوروبا الاختيار بين أمريكا والولايات المتحدة كما حدث أثناء أزمة الصواريخ الكورية عام ١٩٦٢، التي ضربت وفاق ديجول المنفرد مع روسيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تلاشت الحاجة الأوروبية إلى الحماية الأمريكية، إلا أن الاعتماد على الآخر أصبح، فيما يبدو، إدمانًا أوروبيًا.

FullSizeRender

ثالثًا: جنوب المتوسط. في يوليو ٢٠٠٨ تم إعلان «الاتحاد من أجل المتوسط» بأمل خلق دائرة جديدة تضم دولاً من شمال إفريقيا والشرق الأوسط فيما يشبه حلقة حول ساحل المتوسط تتداخل مع الاتحاد الأوروبي، من أجل حفز التقدم الاقتصادي والديمقراطي جنوب المتوسط، وبعبارة أخرى فالهدف يشبه هدف ضم شرق أوروبا. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي اكتفى بضم أوروبا الشرقية وتحفيزها. وكان من الممكن للخيال الجيوسياسي أن يتصور تكوين شبكة إقليمية واسعة تتكون من الاتحاد الأوروبي والمتوسطي والأفريقي، لكن الفكرة الجذابة على الخريطة ظلت بعيدة عن أرض الواقع.

ويعتقد المؤلفون أن بقاء ة الاتحاد الأوروبي على قيد الحياة مرهون  بقدرته على العيش في عالم متعدد الأقطاب، في ظل ظروف اقتصادية عالمية سيئة، وكذلك بقدرته على إصلاح نفسه، ووقف هيمنة دول بعينها على المناصب العليا في مؤسساته.

الكتاب الذي يتشكك في مستقبل الاتحاد الأوروبي صدر بالإنجليزية عام ٢٠١٠، ولم تصدر طبعته العربية إلا بعد أن أصبح الشك موتًا مؤكدًا. الرد التركي المستهين بالاحتجاج الأوروبي على غياب معايير حقوق الإنسان في الاعتقالات على خلفية محاولة الانقلاب، والتحالفات الأخيرة بسورية، تكتب نعي الاتحاد الأوروبي، لكن النبأ لم يصل مسامع جارتنا العجوز.