الأوراق التي تتكشف اليوم عن حادث 11 سبتمبر، تكشف عما كان مجرد تحليلات وتخمنات الكتاب والمفكرين، حول صناعدة العدو الإسلامي. المقال التالي كتبته في القدس العربي سبتمبر 2013.
الأصل وظله:
في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 كنت واقفًا أتأمل الشارع من صالة تحرير جريدة الأخبار القاهرية، عندما بثت وكالة رويترز أول سطرين متعجلين عن غزوة نيويورك. قام أحد الزملاء سريعًا بتحويل التليفزيون على الإخبارية الأمريكية CNN وانخرط الجميع في الدهشة، بينما مددت بصري أبعد لأرى برجين توأمين على شاطئ النيل يحاكيان البرجين المنهارين في مانهاتن، متعجبًا من انهيار الأصل وبقاء الظل قائمًا!
في الحقيقة لم تكن تلك لحظة انهيار أو حتى انكسار، بل لحظة احتفال قدمت فيها الرأسمالية البرجين الرمزين قربانًا وفداءً لجوهرها العنيد.
كان تدمير البرجين لحظة تنسيب، كما في احتفالات البلوغ عند القبائل التقليدية، حيث يجب على الصبي أن يعبر خطرًا أو يثبت مهارة لكي يغادر الطفولة ويتم الاعتراف به رجلاً.
احتفلت الرأسمالية ببلوغ الإرهاب الإسلامي مبلغ الرجال، وصار بوسعها أن تتخلى عن حضانته، لكن إدارة الرجال البيض الأغبياء لم تثق تمام الثقة في الفصيل الذي بلغ مبلغ الطيش، وورط بوش نفسه في العراق ثم ذهب بعاره ليترك القيادة للسمر الأذكياء الذين سيثقون في قدرات الإرهابي البالغ على التدمير الذاتي.
سبتمبرهم أيلولنا:
لم يتطلب الأمر سوى القليل من المهارة في اللعب بين الإسلام العدو والإسلام الصديق لكي يصبح سبتمبر الأمريكيين غير أيلولنا. الإرهابي في المغارة والمعتدل في القصر، والكلمة لمبدأ العولمة الأصيل؛ مبدأ انتفاء الحدود.
لا حدود بين المغارة والقصر، ولا حدود بين الإرهاب السني والشيعي، ولتعمل مصانع السلاح بكل طاقتها، ولينتفع الأمريكيون وينّفعوا معهم الروس، طالما أن هناك من يسدد نقدًا ثمن موته وثمن تدمير بلاده.
وها هو الواقع. بعد أن طلعت شمس 11 أيلول اثنتي عشرة مرة، لم تعد أبراج مانهاتن مهددة، فالموت بيننا وفينا محصورًا فيما تسمى ‘ديار الإسلام’ وأوباما معلم الأخلاق يبيع السلاح ويدين الأسد والنصرة طوال ثلاث سنوات. ثم، على حافة الهاوية يدرس العرض الروسي بتدمير مخازن كيماوي الأسد؛ الكيماوي الذي ادخره النظام الممانع للإجهاز على البشر في الجنة الدمشقية ‘الغوطة’ بعد أن أجهز الفساد والفشل على شجرها.
11 سبتمبر الأمريكي هذا العام كله ثقة، لا صفارات إنذار ولا هلع، بل دراسة خيارات ضربة في بلاد بعيدة، سيموت فيها آلاف من المجهولين مثلما يموتون بانتظام خلال ثلاث سنوات.
موت المجهولين لا يؤلم مهما كانت الأرقام، وليعلم المتحاربون بسنتهم وشيعتهم ودرجات تطرفهم واعتدالهم، أن حيواتهم جميعًا لا تعني أوباما ولا الرأسمالية المتوحشة التي تتحكم في الأمريكيين بقليل من اللطف وتتحكم فينا بكثير من الوحشية.
لا يتحرك أوباما لموت السوريين، لكن لموتهم بالكيماوي تحديدًا، ليس بوصفه موتًا مختلفًا، ولا بوصفه موتًا وقع بالفعل، بل بوصفه نذيرًا بموت مؤلم قد يقع.
قالها الرجل بوضوح: ‘وجود الكيماوي يمكن أن يهدد الجيران مثل إسرائيل وتركيا’.
11 سبتمبرنا كله دم وخوف، احتفل فيه الإرهاب اليافع بالدم في سورية ومصر وليبيا. وأسماء الجماعات المتحاربة تسخر وتقتل اللغة مثلما يقتل المسلحون البشر ‘جبهة النصرة’، ‘أنصار بيت المقدس′ و’الجماعة الإسلامية’ و’أنصار الشريعة’!
وسط كل هذه الأسماء الطاهرة لا توجد جماعة للشيطان، أو أنصار الوسواس الخناس.إن لم تكن هذه سخرية من اللغة؛ فهي دعوة لإعادة النظر في كل ما تشيعه ثقافتنا الحمراء عن الشيطان.