في عالم الجريمة العادية قد يلجأ نشال صغير إلى القتل لحظة فراره بمحفظة فيها بضعة جنيهات. يفعل المجرم العادي هذا بدافع غريزة الخوف، دون أن يخطط لإخفاء جريمته الصغيرة بجريمة أكبر. لكن القوى العسكرية تفعل ذلك بتخطيط وسبق إصرار. هي تعرف أن المزيد من الجرائم يربك الضمير، ويجعله غير قادر على الملاحقة، ومع الوقت يصبح المراقبون أنفسهم مدانين بالصمت، فيرتكبون المزيد منه، بينما يواصل الإعلام إمدادهم بأخبار عن جرائم جديدة!
هكذا؛ فإن بشار الأسد الذي كان مدانا باقتلاع حنجرة طفل أو بكسر أصابع رسام في بداية الثورة السورية، أصبح بعد خمس سنوات من القتل غير مدان، لأن جرائمه تفوق الحصر!
الأمر نفسه يمكن أن يقال عن كل اللاعبين في المأساة التي تفوق الوصف؛ التي تسمى الأزمة السورية.
والإعلام، الذي صار أحد وسائل الحرب، يصطف بكل وضوح مع هذا الطرف أو ذاك، يمحو جرائم الممول ويثبت جرائم خصومه، لكن الجريمة الكبرى تتمثل في ذاك المنهج الإحصائي في التغطية.
القتلى مجرد أرقام، بينما كل ضحية لها حياتها الخاصة، ووراءها أسرة ستتأذى لسنوات عديدة قائمة. لا شيء عن سخونة الدموع في الإعلام، ورد الفعل إدانات عمومية، لا يلتفت إليها المجرم، بل لا يلتفت إليها الضمير غير المتورط في القتل، بعد إغراقه في الأعداد وبعد تتبيل حاسته الإنسانية وتخديرها بالتكرار.
تقول الأمم المتحدة إن الغارة على قافلة المعونات ستكون جريمة حرب إذا ثبت أنها متعمدة! هل هذه نكتة؟ وممن تسخر الأمم المتحدة؟!
الطرفان المتهمان سوريا وروسيا يتبرآن من الجريمة، لكن ماذا لو ثبتت الجريمة؟ هل هي جريمة الحرب الأولى التي يرتكبها الأسد أو بوتين؟
ومن الذي يمكن أن يحاسب بوتين والأسد على القتل، ومن يمكن أن يحاسب بان كي مون على الهزار؟!