اختفى قرص الشمس الكبير خلف مساكن الزلزال بالمقطم، الهالة الحمراء تلون الهواء بين العمارات فتشير إلى الطابق الذي وصلته الشمس في رحلة انحدارها، بينما يطوف الموكب الصاخب بطيئًا بالحارات المتربة بين المقابر. كل ما يخشاه الرجل المسن أن يدخل الليل قبل إيداع الأمانة العائدة إلى أصلها. يمضي مستسلمًا لشابين شديدين يتأبطانه بينما يواصلان ترديد الهتاف المنطلق من سماعات ضخمة تحملها عربة تتقدم الصندوق المحمول على الأكتاف. أناشيد الزفاف إلى الجنة تقطعها الزغاريد ويتبعها الهتاف بسقوط حكم العسكر.
يعرف الشيخ صوت كنته ويستطيع تمييز زعرودتها من زغاريد الأخريات. المرافقان الصلبان يشددان قبضتيهما على ذراعيه النحيلين فيقومان ظهره الذي قوسه الزمن، يؤشران له ليردد الهتاف. يلتقم شفته من ألم ظهره ويرفع إصبعًا باتجاه الشمس التي تلامس الأرض في البعيد. يشيحان بوجهيهما وينخرطان في الغناء.
عندما وصل الموكب إلى المقبرة وضعوا الصندوق المغطى بحرير أخضر على الأرض، وبدأ الخطباء يتبارون في وصف جنات الشهيد. تسلل الشيخ وقعد ملتصقًا بأصل الشجرة التي حمل إليها الماء في سيارته ثلاث مرات في الأسبوع خلال خمس سنوات صارت خلالها أقوى وأقدر على تدبير حاجتها من ماء ودم الأرض، بينما كان يمضي إلى هزاله، حتى كف عن قيادة السيارة.
عندما حفرت الشمس قبرها على الهضبة تحت أساس العمارات ترك المشاركون في الزفاف العريس وحيدًا في حفرته، وخلال هرج الانصراف لم ينتبه أحد إلى العجوز المختفي خلف الشجرة.
وعندما لم يعد هناك سوى صوت الريح، وضع الشيخ وجهه في الأرض، تشمم التراب المبلل الهائش، ورفع رأسه لا ليخاطب أحدًا، بل ليجرب صوته: في الحقيقة، لقد مات ابني اليوم.