انتفضت السلطة المصرية في أعلى درجاتها لبحث سبل عقاب «سماسرة الموت» الذين يغررون بأطفال مصر، ويستدرجونهم بينما يلعبون على دراجاتهم في الحدائق العامة ويغرونهم بركوب زوارق الموت!
ليس هناك ما يُلزم الإنسان باستئصال غدد الضمير والخيال والفهم قبل تولي المناصب العليا في الدولة، لكن المشاغل ضخمة والتركة دائمًا ثقيلة، لا تسمح بدقيقة لسؤال ساذج ينطوي على بعض الخيال: أإذا كان هؤلاء السماسرة في فرنسا ووقفوا بمراكبهم في مارسيليا، هل سيقفز فيها الصبية الفرنسيون؟
هل الأمر يحتاج إلى كثير من الفهم لكي ندرك أن الإنسان لا يُقبل على الموت إلا إذا كانت حياته أسوأ من الموت؟!
منذ قرابة العقدين من عمر هذه الظاهرة تفعل الدولة من أعلاها إلى أدنى موظف فيها الشيء نفسه، تنتفض ضد «سماسرة الموت» الصغار، بينما تستمر في إدارة الدولة لمصلحة السماسرة الكبار. هذا التناقض هو صلب الصراع السياسي في مصر الذي لم تحله ٢٥يناير، لكن ماذا عن محترفي الكذب من الإعلاميين وخبراء الغرق الذين يهبون على القنوات التليفزيونية في مواسم الموت ليتفوهوا بالهراء ذاته؟
هؤلاء لديهم الفرصة كي يتأملوا الظاهرة بقليل من الحياء، ولديهم الكثير من وقت الفراغ بين غرق مركب وآخر، لديهم حتى الوقت بين مهاتفة القناة لهم والموعد الذي سترسل فيه السيارة لتحملهم إلى مدينة الإعلام. هذا الظهور الباهر يتطلب التحديق في المرأة، أثناء حلاقة الذقن، وأثناء ربط الكرافتة التي تجعل من الخبير خبيرًا بحق، بم يفكر الخبير بحق الجحيم أمام المرآة، وهل يشعر بلحظة خجل عندما يتذكر أنه إنما سيعيد ما قاله هو وما قاله غيره من قبل؟!
و في الطريق الطويل لعودته الذي يستغرق الساعات، وبعد أن يتلقى مكالمات الاستحسان من أمه وحماته، ألا يخلو بنفسه لحظة ليسترجع ما قال ليدرك كم كان تافها، عندما انتفش ولام القتلى وذويهم والسماسرة والمهربين؟!
ألا يتذكر مثلاً آنه قال ما قاله من قبل وما تقوله السلطة وما قاله خبراء الكذب الآخرين؟ وهل يستحق ما قاله جهد السائق الذي حمله من بيته إلى الاستديو ومن الاستديو إلى بيته في شوارع مختنقة؟!