من أسف أن الكاتب الذي سجن ثلاث مرات في نضالات سياسية،
لم يمت بسبب مواقفه وكتاباته بل بسبب مشاركته كاريكاتيرًا لم يقم برسمه.
بعد ساعات من مقتل الكاتب الصحافي ناهض حتر على سلم قصر العدل بعمان لم تتضح بعد دوافع القتل، مما فتح باب التكهنات في الساحة الأردنية. الأنظار تتجه إلى داعش، على خلفية مشاركته رابط كاريكاتير عن فجور الدواعش اعتبره الكثيرون مسيئا للإسلام، بينما يشير البعض إلى صداقته الشخصية مع بشار الأسد، لكن الأكثر معقولية هو خلفية الكاريكاتير المنقول.
كان الكاتب اليساري قد شارك رابط الكاريكاتير على صفحته في الفيسبوك في أغسطس الماضي مما أثار ضجة، جعلت الكاتب يعتذر ويوضح بأن الكاريكاتير يسخر من رؤية الدواعش لله، ولم يقصد به الإساءة إلى الإسلام، كما أغلق صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، لكن رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي وجه وزير الداخلية باعتقال الكاتب والتحقيق معه، وقضى حتر نحو شهر في الحبس قبل أن يخرج في الثامن من هذا الشهر بكفالة مالية، ويبدو أن تواجده بالمحكمة اليوم كان من أجل القضية.
بعض النشطاء ربطوا بين المحاكمة و ثلاثة مقالات كتبها حتر رافضًا اختيار الملقي رئيسًا للوزراء. وسواء كان هذا الربط صحيحًا أم لا، فالمحاكمة ساهمت في إشعال النار وتوسيع رقعة القضية، مما سوغ لقتله.
وهذا السلوك الذي أقدمت عليه السلطة الأردنية ممثلة في رئيس وزرائها يعكس نهج الأنظمة العربية في استثمار العامل الديني في الحكم، إما لتصفية الخصوم، أو للمزايدة على المتطرفين لكسب أصوات البسطاء المستعدين لكل لتلقي كل أنواع القهر على أبدانهم، بينما تثيرهم راية مرفوعة باتجاه «عدو للإسلام» دون أن يتيقنوا إن كان عدوًا أم لا!
وباستثناء تجربة بورقيبة، استخدمت كل الأنظمة العربية تدعي محاربة التطرف الدين وسيلة للتلاعب السياسي، لكنها في الحقيقة، وقبل أن تستخدمه، هي التي تقوم بتصنيعه، بالتعليم الرديء وبتديين المجال العام، والفشل السياسي والفساد الذي يقتل الأمل في الحياة، ويدفع الشباب إلى البحث عن الجنة، كأمل أخير!
وبعد أن يصبح الإرهاب واقعًا تحاربة عسكريًا لا لتقضي عليه، بل لتجعله عن الحد الذي لا يجعل منه خطرًا على وجودها، فهو مطلوب بالحد الذي يكفي لتبرير المزيد من القمع باسم محاربة الإرهاب. و هذه السلطات التي تواجه الإرهابيين عسكريًا، تعود لتزايد عليهم، وكأنها تقول لهم «نحن أكثر منكم غيرة على الإسلام» وتسرع إلي محاكمة كاتب بسبب تافه كهذا الذي حوكم به حتر في الأردن أو أحمد ناجي في مصر؛ الذي يقضي الآن عقوبة الحبس بسبب عبارات جنسية في رواية!
وقد صارت تهمة الإساءة للدين وسيلة لتجريس أصحاب الرأي وتصفيتهم معنويًا أمام المجتمع ووضعهم هدفًا للتصفية الجسدية بأيدي الإرهاب، ويبدو أن تلك صارت أكثر نجاعة من التجريس بالمخدرات أو بارتياد بيوت الدعارة.
آخر مقالات حتّر كان عن سلبيات الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأردن التي ضيّقت على الأقليات، منوهًا إلى قلة فعالية البرلمان الأمر الذي دفع الناخبين إلى العزوف عن العملية الانتخابية.
ومن أسف أن الكاتب الذي سجن ثلاث مرات في نضالات سياسية، لم يمت بسبب مواقفه وكتاباته بل بسبب مشاركته كاريكاتيرًا لم يقم برسمه.