المثقف..نسيج الإنسان الخارق!

Fernando Botero
Fernando Botero

 

يتسع تعريف المثقف ليشمل كل من تلقى تعليمًا نظاميًا في الجامعة، ويضيق ليقتصر على فئة المشتغلين بالفكر والإبداع، ربما ـ حتى ـ باستبعاد صُنّاع السينما والرسامين والموسيقيين، ليبقى المصطلح قاصرًا على منتجي الكتابة.

وسواء ضاق المصطلح أو اتسع؛ فالمثقف في النهاية إنسان كسائر البشر، لديه الضعف، القوة، الشجاعة، الجبن، الخسة، النبل، ولديه انتصاراته وهزائمه. وكاتب الرواية هو الآخر مثقف، أي إنسان ولديه كل التناقضات السابقة، وينعكس داخله كمثقف على دواخل مثقفي رواياته.

وقد تناولت الرواية المثقف بإفراط يجعل من غير الممكن الحديث عن شكل محدد للمثقف في الرواية العربية، ويجعل من المستحيل تعداد الروايات، ويندر أن نجد كاتبًا له عدة روايات ولا تظهر في إحداها على الأقل شخصية مثقفة، ويمكن أن نظل نعدد في أسماء الكُتّاب وعناوين الروايات دون أن ننتهي. وهذه الكثرة تصنع كثرة أخرى في صور المثقف كما تجلت في الروايات، حتى أن الكاتب الواحد نجد عنده عدة صور للمثقف، تطورت بتطور علاقته بالعالم ونضج تجربته الفنية وحالته النفسية، ودرجة إخلاصه للفن؛ فالبعض استخدم الرواية للتلسين على غيره من معارفه رجالاً ونساء. في الأدب العربي العديد من الروايات الانتقامية، لم تدخل لحسن الحظ إلى المتن الروائي، لكنها موجودة على أية حال!

وهناك روايات كُتبت من وجهة نظر أيديولوجية، إما في مديح بطولة المثقف كما تبدو عند عبدالحمن منيف في معظم رواياته أو ذم انكساره كما عند حيدر حيدر في “وليمة لأعشاب البحر” وبعضها من منظور وجودي إنساني كما عند الطيب صالح في “موسم الهجرة إلى الشمال” أو منظور تهكمي كما فعل محمد البساطي في “ليال أخرى” وخليل صويلح “دع عنك لومي”.

لا يحدد الروائي وحده صورة المثقف؛ فالزمن يكتب معنا من خلال الظلال السياسية والمدارس الأدبية السائدة في كل وقت. سنجد روايات الرواد في النصف الأول من القرن العشرين منشغلة غالبًا بالمثقف في لقائه الحضاري بالغرب، إما في محاولة فهمه كما في “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي أو انتقامًا كما في “الحي اللاتيني” لسهيل إدريس. تأتي بعدها روايات اللقاء الدامي من أجل التحرر من الاستعمار الغربي كما في “اللاز” للطاهر وطار.

ولن تضع الحرب مع الصديق الغربي اللدود أوزارها، حتى تبدأ الحرب مع الاستعمار الوطني، أو بمعنى مباشر: الصدام مع السلطة الوطنية المستبدة كما في معظم إنتاج صنع الله إبراهيم، وعبدالرحمن منيف ونبيل سليمان وهاني الراهب وبعد ذلك سنرى المثقف المهزوم، ثم المثقف العدمي، بعد كل الإخفاقات السياسية التي مر بها العالم العربي.

ولا يمكننا أن نقول إن الرواية قدمت المثقف كما ينبغي أو إنها حادت عن جادة الصواب؛ فليس هناك قياس موضوعي للمثقف يمكن القياس عليه، فهو في النهاية مجرد إنسان يحترف مهنة، وهو في الرواية كائن روائي كسائر بشر الروايات.