الشيء الوحيد الذي يجمع بين وزارات ما بعد 25 يناير هو أن الوزراء يأتون من المجهول ويذهبون إلى المجهول، ويتحدثون عن محاربة الفساد ثم يعجزون عن الحرب أو يفسدون ويعودون إلى المجهول ، ونادرًا إلى السجن، ويأتي غيرهم من المجهول، وهكذا.
تأتي الوزارات بلا استراتيجية وتمضي في ظروف غامضة، ولننظر إلى التغيير الأخير: المتحدث باسم محلب قال إن الباشمهندس راض عن أدائه، والمهندس إسماعيل الشريف تحدث مشيدًا بأداء المهندس محلب، والمهندس محلب صار مستشارًا للرئيس للمشروعات القومية.
لماذا كان التغيير إذًا؟! هذا سؤال لابد أن يعبر أي رأس، مالم يكن هذا الرأس مجرد غطاء للبلعوم.
في ظروف خاصة جدًا يستقيل رئيس وزراء ناجح بمعايير مرحلة ولابد أن يترك لآخر يناسب المرحلة التالية. وإذا كان محلب من هذا النوع فكان لابد أن يقال هذا بوضوح. كأن يقال مثلاً إنه أنجز مرحلة تحقيق الاستقرار الأمني وسنبدأ مرحلة بناء الاقتصاد التي تتطلب فكرًا آخر. لكن من الواضح أن النظام يعيش حياة اليوم بيوم، ولهذا يذهب باشمهندس ويأتي باشمهندس.
استأنف الشريف أعمال محلب دون تغيير، وكان محلب قد استأنف أعمال رؤساء وزراء سابقين من عاطف عبيد إلى علي عوض. خصص الشريف أول اجتماعاته لمناقشة استصلاح 4 مليون فدان. وهذا إصرار على خلط الهزار بالحكم؛ فمواردنا المائية لا تكفي الملايين الخمسة المتبقية من أرض الدلتا والوادي، لكي نتحدث عن استصلاح أربعة ملايين جديدة. والخبراء يصرخون بهذه الحقيقة كل يوم، والفلاحون يصرخون من عطش حقولهم.
من الواضح أن الولع بالاستصلاح والتمسك بعناد الطبيعة لا ينفصل عن قضايا الفساد السابقة والحالية واللاحقة؛ فتخصيص الأراضي هو الباب السهل للمليارات الحرام، وأي باشمهندس يتعهد بالحرب على الفساد لا يقول الحق، إما لأنه لا يفهم أصل الفساد، أو لأنه لا يريد الحرب عليه حقيقة.
المهندس الشريف تعهد بمحاربة الفساد، المهندس محلب كان قد تعهد، ووزير الزراعة المتهم، هو نفسه كان قد تعهد بمحاربة الفساد يوم تعيينه ويوم القبض عليه!
الباشمهندسون الثلاثة الذين تعهدوا بالحرب على الفساد فمنهم من فسد ومنهم من فشل ومنهم من ينتظر، لأنهم يلقون بالكلمات جزافًا؛ ويتعهدون بما لا يقدرون عليه، حيث تتطلب الحرب على الفساد تغيير العقيدة الاقتصادية للنظام، عقيدة السمسرة والمضاربة في الأراضي.
الفساد إذن في أصل نظام منح الأراضي للمستثمرين المعمول به حتى الآن. وهو أساس الاقتصاد الريعي الذي ابتدعته جماعة جمال مبارك. وبقاء هذا النظام يعني أن مصر لم تشهد 25 يناير ولا 30 يونيو. ويعني أننا لا يمكن أن نشهد ازدهارًا للسياحة أو للزراعة أو للصناعة؛ فلا مجال لاقتصاد إنتاجي طالما ظل باب صناعة المليارات الحرام مفتوحًا.، بل وطالما لم يتم القصاص الاقتصادي ممكن حصلوا على أراضي الدولة مجانًا وباعوها فيلات وقصورًا.
لا معنى للضجة حول أرض حوت دمياط التي تلاصق أرض حوت آخر حصل عليها بذات الطريقة وبقي الوضع على ما هو عليه. ولا منعى لأن يمتلك شخص 2500 فدان، فهذا القدر بحد ذاته غير شرعي. وإذا لم توضع حدود لملكية الأرض، وإذا لم يكن التصرف في كل أراضي الدولة بالمزاد العلني، فعلى أي باشمهندس أن يوفر كلامه عن محاربة الفساد، لأن المستمع عاقل، وعلى المتكلم أن يتحلى مثله بالع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبت هذا المقال يوم تغيير محلب بشريف إسماعيل!