أعطاني الليل مشكورًا عود ثقاب (نصوص لزكريا محمد)

 

hebior_mammoth_cleanسيطلع النهار عما قريب، فاختنوا أنفسكم خضوعا له. الفقع الأسود يعوّضكم عن ذلك. ألقطوه وهو يفتق التراب ويكسر الباب.

سأداريكم كأنكم أسرى. كأنكم قتلى.

الكلمات قليلات في قعر الكأس. الكلمات بليلات تحت اللسان. والنهار يعبر بين رجليّ مثل ثعبان. أنا أسقيه بيدي، وهو يختن أصابعي. سأغني هذا النهار كأنه كافر كبير.

 

يطلع النهار مثل غراب كبير. مثل سرب جراد يطير. وأنا أصفه لكم فقط. أسكب ما تبقى من كلمات في الحوض الفارغ الكبير.

 

27-11-2014

 

يصعب عليّ أن أحدد إن كنت انتصرت أم هزمت. الأمور تبدو متعادلة. لدي نقاط، وعليّ مثلها. والفارق بين الجدولين ضئيل جدا، وهو يتغير في كل لحظة مع فرز مزيد من الصناديق. في لحظة أظن أنني انتصرت، وأنني قطعت العقدة بسيفي، وفي اللحظة التالية يسقط في يدي، وأوقن بالهزيمة.

أسمع صياح جمهور هائج وراء النافذة. ليس بي رغبة في أن أريهم وجهي. النتيجة النهائية لن تظهر قبل الفجر. يجب أن أظل صاحيا حتى الفجر. غير أنني أزداد إرهاقا. الحجارة تتساقط على كتفي، الماء يغلي في الحوض، والنجمة التي فوق النجمة تخسر موقعها. ألقي ببصري هنا وهناك. أرى أحدا أعرفه يجلس في الزاوية ويكتب رسالة نصية. لمست كتفه بهدوء: أيمكنك أن تبعث لي برسالة حين ينتهي كل شيء؟ أريد أن أنام.

نظر إليّ كأنه لا يفهمني. كررت له: أريد أن أصعد إلى غرفتي كي أنام. أتقدر أن تبعث لي برسالة نصية حين ينتهي كل شيء. أتقدر؟

حدق في عينيّ. يبدو أنه فهمني. عاد إلى هاتفه الذكي، وواصل الكتابة، واستدرت أنا. مشيت بضع خطوات في طريقي إلى الغرفة.

بعد ثوان رنّ الهاتف في جيبي. قرأت بعيني المتعبتين الرسالة القصيرة: لقد انتهى كل شيء.

 

2-5-2015

 

فتحت فمي، مثل موسى الطفل، ومضغت الجمرة. سوف ألثغ بعد اليوم بالحرف. فمي سيغلط باسم الزهرة، ويدي ستخطئ الثمرة. لذا سأستند إلى الصرخات. لي صرخة طالعة من أعماق الكهوف. سأطرد بها الحياة والموت معا. سأجري وراءهما كأنني أجري وراء ماموث.

عيناي حيتان مترحّيتان. وشعري يتهدل مثل شعور الغيلان.

أمنّ بالخبزة على الحياة، وأمنّ بالصرخة على الموت.

 

وعند الشدة سأكشف للسماء رأسي. سوف يكون الموت أرحم حين تسقط نجمة على رأسي. حين تكسر فأس رهيبة فأسي.

 

26-3-2015

 

لعلمكَ، أنا لست مالك الحزين، أنا مالك مرج بن عامر كله بما فيه من قمح وشعير ونحل ويعاسيب. متى أردت سيجتُه بالصبار، ومتى رغبت قطعتُ طرق القوافل فيه.

لا يوجد حجر لم يغف عليه رأسي، ولا وتر لم أخنق به صيدي. الشِعر صمّام أمانٍ عندي. لكنني أهجره أحيانا كما يهجر حرّاث يائس سكته وسط الثلم ويمضي.

والشيء الوحيد الذي أثق فيه هو عصبة خضراء على جبيني. شدّي يا عصبة على دماغي، واطفحي يا حصبة على جسدي.

الحديد في النار، والعجين نهود، والنهر الكبير يتدفق بالطمي.

أنا أؤبر نخلي بيدي، وأعلف حصاني بكفي.

فقط لا تأخذني بمقصدي. فأنا أكتب أصلا كي أعرف مقصدي. ولا تأخذني كذلك بقصيدتي. خذني بذيلها الذي يسحبني إلى حيث لا أدري.

 

الذي وضع الجمرة في فمي وحده من يُسأل عما تأتي به لثغتي.

 

15-5-2015

طيور تصرخ فوق الشجرة. تضغط على عصبي. لو كنت في المريخ لما حصل لي هذا. طاقتي على الاحتمال تصعد وتهبط. أحيانا أكون مستعدا لأن ألد ضبعا مشعّرا، وأن أرضعه من صدري. وأحيانا أخرى أعجز عن التعاطف حتى مع ذاتي.

من يقدر أن يُعطب لي ثلاثا من الحواس الخمس التي ورثتها عن القردة العليا؟ لست بحاجة إليها. أستطيع أن أتدبر أمرى بحاستين اثنتين فقط. طيور تمر مسرعة، وتدلق بأجنحتها قهوتي.

لا يمكن الوصول إلى المعنى. يمكن المرور قربه عبر ممرّ التشابيه. لكن التشابيه متاهة. تشبيه يقود إلى تشبيه. باب يقود إلى باب.

ولا يمكن النكوص عن المعنى أيضا. سحبت نصف رصيدي في البنك كي اشتري قطعة صغيرة من المعنى. سحبت نفسا من الأرجيلة، كي أعبئ رأسي بالمعنى. من يقدر أن يعطب لي ما تبقى من الحواس. أستطيع أن أرمّ التبن من المذود، وأن أحيا.

طيور تصرخ في منتصف الليل. في المريخ لا يحصل مثل هذا. هناك مواعيد للصراخ، وكواتم صوت للعصافير. أطفال يصرخون في منتصف الليل. لقد عض الحليب شفاههم.

يحصل أحيانا أن تلد ضبعا مشعّرا من يأسك.

 

6-4-2015

 

أعطاني الليل مشكورا عود ثقاب وحيدا.

سأحفر حفرة، وأشعل نارا، وأغني. أعطوني أسماءكم كي أتغنى بها. أنا من ولدتني أمهاتكم في العتمة. رأسي سوق عطّارين. رأسي قصر كبير بغرف لا عد لها. وأنا أعرف أغاني لا تعرفونها. أغني مثل بغل. آكل الأخضر واليابس.
أنتم إخوتي. كلكم إخوتي. تعالوا واشربوا معي عند النار. النار هي الفتنة الوحيدة التي يحسن إشعالها.
مرة جعلت الحكمة تبكي مثل طفل. ومرة كسرت رمانة اليأس وأكلت أضراسها الحمراء. أنا أخوكم الذي سقط من دفتر العائلة.

أريد أن أشعل عجلة مطاطية وأدحرجها ملتهبة من هنا، من تحت قدميّ، حتى تصل الفجر.

 

3-4-2015

 

جوزوا معي القنطرة.اعبروا معي برج الجوزاء. الطين على حذائي لأنني عبرت حقولا رنّختها بالمياه النواعير. الطين على شفتي لأن واحدا كان يصنع لوجهي تمثالا. لست قادرا على البكاء. البكاء الذي تسمعونه يأتي من النواعير. الله شاهد على هذا. وهو شاهد على أن الطين على فمي لأنني شربت من الثلم.

لا أعرف حتى أن أكذب. الكذبة تنزلق من بين يدي وتصفق بجناحيها مثل طائر أبي زريق، وتطير. لا أعرف حتى أن أصدق. الصدق يتفلت من بين رجلي ويحفر مثل الخلد نفقا، ويختبئ فيه. لا يهم، سوف أحصل على شيء ما بعد أن أعبر القنطرة. سوف أعثر على كذبة صغيرة حين تبرك الريح مثل جمل وتحملني على ظهرها. لكن قلبي سيظل دوما أبيض مثل زهرة قطن. وسوف أكون دوما مثل حصان فاتح منخريه ينتظر عند سياج الحظيرة.

 

طائر البلشون يحط على الصخرة. طائر البلشون يحط على قرن الجاموس.

وأنا أخبص بنعلي في طين الجوزاء.

 

24-2-2015