مقال المصري اليوم: قانون وهيئات الصحافة..الجري في المحل!

إسماعيل الإسكندراني

ليس لصحفي أو إعلامي يعتز بمهنته أن يرضى بالقانون الأسوأ، أو بالتشكيل الأضعف للهيئات التي ستقوم على تنظيم الصحافة والإعلام، لكن أفضل القوانين لن ينتشل الإعلام المصري من مأزقه.

المهنة سياسية، تتعلق حياتها بالأفق السياسي الحاكم بشكل أساسي، وإذا عدنا سريعًا إلى اللحظة الحاسمة في تاريخ الصحافة المصرية؛ لحظة  قرار تأميم الصحافة عام 1960 سنجد أن القرار لم يكن مجرد نزع ملكية الدور الصحفية القائمة وضمها للدولة، بل إكمالاً لتأميم المجال العام، بإغلاق الأحزاب والضيق بالنقاش العام. الملكية الغائمة لـ “الشعب” وهي ستار لملكية الحاكم. ولم يكن فشل الهيئات التي أسندت إليها مهمة الإشراف على المؤسسات بسبب قصور في القانون، بل بسبب الدعم السياسي والأمني للفشل في صحافة وتليفزيون الدولة.

مصطفى المرصفاوي

المطلوب من إدارة هذه المؤسسات أن تمنع الانتقاد الجدي للسلطة من جهة، وأن تمنع الاحتقانات العمالية داخلها من جهة ثانية، ولتحقيق الهدفين، كل شيء مباح، من الاستبعاد غير القانوني للموهوبين من الصحفيين والإعلاميين إلى الرشى المالية المقننة في لوائح تضعها إدارة كل مؤسسة. وتواصلت عملية الإفساد هذه خلال ما يقرب الآن من الستين عامًا، لكن وتيرة انتخاب الأضعف وقتل التمايزات السياسية والمهنية بين المطبوعات تسارعت في عهد مبارك، كضرب روز اليوسف مثلاً وإفقادها صيغتها المميزة كمعقل لليسار ومدرسة للكاريكاتير.

ومع انطلاق المنابر، فالأحزاب، التي صارت لها صحفها، ولدت فرصة لتجديد شباب المهنة من خلال تجارب مميزة كصحيفة “الأهالي” لسان حزب التجمع، لكن السياسة والأمن تدخلا مرة أخرى، وانتهت الجريدة عمليًا، عندما أصبح التجمع فرعًا من فروع الحزب الوطني!

أحمد رجب

وجاءت الفرصة الثانية مع انطلاق الصحافة المستقلة أواخر التسعينيات، ثم تبعتها القنوات الفضائية، لكن التجربة ظلت محكومة بالسياسة والأمن. وبينما تستمر الخلافات حول القوانين والهيئات الجديدة المنقذة يستمر التحرش بالصوت المختلف، واستنزال العقوبات على ملاك الصحف والقنوات بطرق ملتوية.

واقع الحال أننا أمام واقع إعلامي لا يليق بمصر. إعلام حكومي (صحافة وتليفزيون) مستسلم لضمور العضلات بسبب الإصرار السياسي على تولية الأضعف، وإعلام خاص بعضه يزايد على إعلام الدولة ولاءً ونفاقًا، وبعضه يحاول فتصطدم محاولاته بالمحظور السياسي. وبالمجمل غياب المنافسة المهنية وغياب التجويد في الصنعة لصالح المنافسة على رضا النظام وسوق الإعلان، وسط جهل كل وسيلة بالدور الذي يجب أن تقوم به أو ربما تجاهل هذا الدور.

في ظل كثرة القنوات الفضائية لن تجد قناة مصرية تزود المشاهد بالخبر، لأنها مكلمات ليلية، نرى فيها ألوانًا من الزعماء والبلطجية والقضاة والضباط ولا نرى مذيعين، وفي المقابل تتمسك الصحف بالخبر وتبكي من المنافسة غير العادلة مع الإعلام الجديد، بينما نجحت صحف عالمية في زيادة توزيعها من خلال تطوير دورها لتنهض على ساقين أساسيتن: الصحافة السردية، والصحافة الاستقصائية. الأولى فن يقترب من الأدب، يحتاج صحفيًا يعرف كيف يحكي حكاية، والثانية تحتاج إلى مهارات المحقق الذي يعرف كيف يجمع المعلومات ويربط بين الوقائع. وهناك شباب أكفاء بوسعهم إنقاذ الصحافة والإعلام إذا ما أطلقت أيديهم، لكن النظام الذي يمكن أن يتسامح مع القصة الإنسانية، لا يسامح من تسول له نفسه اقتراف ذنب الصحافة الاستقصائية، ومن يفعل ذلك مصيره بين الاعتقال (اسماعيل الإسكندراني مثالاً) وبين الإخراج من الديار (أحمد رجب ومصطفى المرصفاوي مثلان).

باختصار، المناخ السياسي هو سر حياة وموت الإعلام! وبدون أفق ديمقراطي لن يكون القانون والهيئات الجديدة سوى نوع من الجري في المحل!