عاشت مصر على أعصابها حتى لحظة النطق بالحكم في قضية الجزيرتين. لا مبالغة في هذا التعميم؛ فبقدر قلق من يفهمون معنى التفريط في الأرض، ومعنى التفريط في الأمن القومي لصالح إسرائيل(حيث كان من شأن سعودة الجزيرتين تدويل مياه خليج العقبة) بجوار قلق الغيورين على مصر والمصالح المصرية والعربية العاليا كان هناك قلق الغيورين على مصالح السعودية والطالبين رضاها ومحبي إسرائيل ومحبي عنادهم الذين وضعوا أنفسهم في هذا المأزق.
الآن، بعد حكم الإدارية العليا، لم يعد أمام السعودية إن أصرت إلا اللجوء للتحكيم الدولي، ولن تنال شيئًا. أما بعيدا عن القضية فالحكم يضع علامات استفهام حول هذه الطريقة في حكم مصر. الطريقة التي يبدو السيسي مؤمنا بها وحده ومفادها: اسمعوا كلامي وحدي، أنا صادق، ومن مفرداتها (نقول كمان؟) على ما في صوت الرجل من مظهر الحنان يبدو متألما وحانقا، لأن هناك من يريد أن يبحث في هذه القضية أو تلك، يبدو مصرا على سحب طريقة الإدارة العسكرية على الحياة المدنية، أحيانا بالطريقة نفسها؛ طريقة الأمر غير القابل للمناقشة، وأحيانا بالتهديد الحنون الذي يبدو في تلك الطبقة من الصوت التي لم يؤتها حاكم من قبل.
الخطاب او الاجتماع المنشور تسجيله هنا، لا يضع تساؤلات حول الطريقة فحسب، بل حول مؤسسات ذكرها بالاسم وذكر أن أرشيفاتها السرية أكدت له سعودية الجزر (هل يمكن أن تطالب السعودية بهذه الأرشيفات إذا لجأت إلى التحكيم؟ وهل تعاقبنا إن امتنعنا؟).
طلب السيسي وكرر طلبه من الجالسين: هل لديكم كلام آخر، فلم يكن لديهم كلام آخر.
الآن، صرنا نعرف أن مصر لم تزل محروسة، بفضل صواميل قليلة (براغي) لم تزل مربوطة، وعلينا أن نذكر من لا يعلمون أن الدول لا تدار ب(اسمعوا كلامي، وأقول كمان؟).