في ” فيلم غزل البنات “يطرق المدرس الكادح باب القصر فيفتح له الباب رجل أنيق مستريح الوجه ، و يخاطبه المدرس بكل احترام باعتباره الباشا أبو الفتاة التي جاء لمساعدتها في اللغة العربية.و لكنه يكتشف أن ذلك البرنس ليس إلا مربي كلب الباشا المدلل ، و بكل ما يملك المدرس من إحساس بالظلم يقول له ” يا بتاع الكاااالب ..”
لن نمل من مشاهدة هذا الفيلم الذي جاء صرخة مدوية ضد مجتمع النصف بالمائة قبل الثورة ، و قبل سنوات طويلة من هوجة الأفلام المناهضة للبشاوات التي شابتها عيوب الافتعال إرضاء لرجال العهد الجديد . و كان هذا الفيلم التجسيد الحي لعبقرية نجيب الريحاني الملقب بشارلي شابلن العرب و هي تسمية أراد بها أصحابها تكريم الريحاني بتشبيهه بأشهر فنان على مدى التاريخ الأوروبي . وربما كان من العدل أن يتشبه شارلي شابلن بالريحاني لو كانت السينما العربية و آلة دعايتها في مثل قوة سينما و دعاية الغرب .
في أداء الريحاني تلتبس الدموع بالضحكات ، و تتفجر أنهار الفرح من صخور الحزن .. و لهذا فإن ” الملهاة المأساة ” التي يصورها الريحاني تجعله ظاهرة عربية بامتياز ، و هو جامعة عربية في كل شيء حتى بحسابات المولد و النشأة و الحياة المتقلبة بين البؤس و النعيم ،فهو ابن لأب عراقي و أم لبنانية و حياة مصرية ، و قد تراوحت تواريخ ميلاده غير المحدد بين ( 1887 و 1892 ) .
كانت بداية الريحاني الفنية مع شخصية كشكش بيه عمدة كفر البلاص التي ابتدعها عام 1916 و حققت له الثراء و المجد ، فأصبحت لديه فرقته المسرحية و قدم حتى وفاته في 1949 أكثر من ثمانين عرضا مسرحيا لم يبق منها شيء للأسف باستثناء مسامع من مسرحية ” 31 يوم في السجن ” و قد طاف بمسرحياته البلاد العربية و عدد من دول العالم .
و من حسن حظ الأجيال الجديدة أن الريحاني الذي لم يكن متلهفا على العمل في السينما وافق في النهاية و قدم ابتداء من عام 1931 و حتى وفاته تسعة أفلام مهمة منها : لعبة الست ، سي عمر ، و صاحب السعادة كشكش بيه . و قد بقيت بقيت ستة فقط من هذه الأفلام و لكنها كافية كدليل على إعجاز في الأداء و قبول غريب ، يجعل خمسين عاما من الغياب لا تعني شيئا حيث يعيش الريحاني بيننا أكثر حضورا من كثير من الأحياء .