تودوروف..الاستبداد يخسر أطيب ضحاياه والامبريالية تخسر أحد أشرس أعدائها


لا تكفي ثلاث مقابلات، في مناسبات سريعة لكي يعرف المرء شخصًا آخر، لكن الانطباع الذي تركه تزفيتان تودوروف لدي كان مؤثرًا جدًا. صورة شخص قليل الصخب، حريصًا على عدم لفت الأنظار، كأنه هارب من مطاردين، كان تخطى الستين عندما رأيته في القاهرة ولامس عتبة السبعين عندما قابلته في تورينو، وبينه وبين بلغاريا التي خرج منها مسافات في الجغرافيا وعقود من الزمن، لكن ندبة الاستبداد لم تكن قد فارقت روحه؛ فيما بدا لي. وقد لا يكون ذلك حقيقيًا. وإذا أضفنا كتاباته إلى هدوئه وأساه ذاك، سنرى أن تودوروف الذي يعرف مكان الندبة لم يداوم على تحسسها. لم يكن استبداد الشيوعية شاغله مثل مجايله التشيكي ميلان كونديرا، مثلاً. رأى تجربة الدولة الشيوعية في الحكم حلقة من تاريخ القمع العام، بالنسبة لبلاده، كان قمع العثمانيين أسبق وعلى الدرجة نفسها من البشاعة التي أخرجته إلى فرنسا.
إحدى مقابلاتي  الثلاثة كانت حوارًا للنشر بالفرنسية التي لا أعرفها والتي هو ضيف فيها، كان بيننا الدكتور أنور مغيث. هتف بأقوى نبرة خلال الساعة أو يزيد: كفوا عن التصرف بوصفكم ضحايا. هذه هي الهزيمة المؤكدة.
كان سؤالي عما تفعله إسرائيل بفلسطين الشعب والأرض.
وأظن أن هذا ما فعله تزفيتان بنفسه، لم يتصرف كضحية، وبدلاً من التوقف الطويل أمام ممارسات الدولة الشيوعية، رأى العمق الإنساني للاستبداد والقهر، بدأ القصة من الاحتلال الأبيض لأمريكا، وما مورس من وحشية ضد السكان الأصليين، متتبعًا وحشية اللغة والأيديولوجيا التي تعمدت شيطنة الآخر: (للهندي الأحمر عين ثالثة في جبهته).
لم يقل شيئا عن فلسطين، لكنه كمن قال، لأن هذا هو جوهر الإمبريالية، ومن نشأت وممارسات الكفيل (أمريكا) يمكن للقارئ أن يفضح بنفسه ولنفسه ممارسات إسرائيل أو غيرها من التجارب العنصرية.
في مؤلفاته التالية خارج حدود اختصاصه في النقد الأدبي، تابع تودوروف الاستبداد الأمريكي في العالم، من العراق إلى يوغسلافيا، وانتهاء بابتلاع أمريكا لقرار أوروبا وقيمها.
لقد خسرت الإمبريالية واحدًا من أشرس أعدائها وأكثرهم تأثيرًا، كما خسر المستضعفون نصيرًا مهمًا.