رائحته التي داهمت خديجة في بروكسيل

VICTOR ORSEL

رصّت أدوات زينتها على طاولة المرآة، ورتبت ملابسها في خزانة غرفتها بالفندق الذي اختارته في قلب بروكسل. لم تزل لديها ساعة، قبل أن تسمع النقرات الثلاث لأمها على الباب، كي تخرجا لتناول العشاء.

باغتت ذاكرتها موجة حارة من القاهرة مثقلة برائحة جمال التي تسللت إلى أنفها كثغرة وسط سياج عطرها، وأخذت رائحته توسع لنفسها حتى سيطرت على هواء الغرفة. أحست أنها صارت في مكتبه، تستنشق رائحة اختلاط تخمر فمه برائحة العرق بعطر البنفسج. الرائحة القوية التي استسلمت لخدرها ولم تستبشعها، بل على العكس، أخذت تستنشق هواء الذكرى بعمق، وتحبسه في رئتيها؛ فيتزايد إلحاحه على مشاعرها. التقطت تليفونها، فتحت الواتس آب وكتبت «مساء الخير، أنا خديجة البابي».

تأملت الرسالة في الشاشة، وضغطت «إرسال» أخذت تراقب ومضات التحميل، كأنها موجات من الريح تراها تمضي نحوه حاملة تحيتها فوق الجبال والأنهار والبحار.

عاد سطح الشاشة إلى الإعتام فأحست بالاضطراب. «لن يرد. لماذا أنا طائشة إلى هذا الحد؟!» أخذت تراقب الواتس آب تنتظر إشعار قراءته لرسالتها، مرت دقائق ثقيلة، إلى أن ظهرت علامة «يكتب» ثم وصلها الرد «الحمامة؟». ابتسمت وتحركت أصابعها تكتب «أحييك من بروكسل». جاءها الرد «يا بخت بروكسل».

ازدادت ضربات قلبها، ووجدت نفسها عاجزة عن التمادي. استلقت وأغمضت عينيها، لكنها لم تكف عن إرهاف سمعها للتليفون الملقى على السرير.

ـــــــــــــــــــــــــ

مقطع من “يكفي أننا معًا”