مقال المصري اليوم: وفاة تودوروف..إخفاق آخر للإعلام المصري

علمت بوفاة المفكر تزفيتان تودوروف من تغريدة على تويتر مساء الثلاثاء الماضي، وعلى مدار الأيام التالية تابعت البحث على أخبار جوجل، كانت النتائج باللغة العربية تتزايد باللغة دون أن تكون بينها نتيجة مصرية واحدة، الأمر الذي استدعى إلى ذهني وفاة صديقه إدوارد سعيد عام ٢٠٠٣ الذي كان رحيله خبرًا بارزًا في صحافة وتليفزيونات الدنيا، ولم يحظ في مصر سوى بخبر من ثلاثة أسطر تنطوي على ثلاثة أخطاء في أعرق صحفنا اليومية.

بدأت علاقة البلغاري اللاجئ في فرنسا تودوروف بالفلسطيني الأمريكي سعيد بالتشابهات والتأثيرات الفكرية، قبل أن تصبح صداقة شخصية استمرت حتى رحيل إدوارد سعيد، وهما مع الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي أكبر ثلاثة قامات مناوئة للاستعمار بكل أشكاله، والهيمنة بكل أنواعها، لكن تدوروف وسعيد يكادان يكونا متطابقين من حيث الظروف والأفكار؛ فكلاهما يعيش خارج وطنه الأصلي، كلاهما عرف كيف يتسامح في ثأره الشخصي مع القوى التي تسببت في اقتلاعه من مكانه، وكلاهما انتقل من دراسات الأدب ليشتبك مع الواقع العالمي، من خلال نقد الأفكار المؤسسة للاستبداد والهيمنة الغربية على العالم، والتحذير من الخسارة التي تلحق بالإنسانية بسبب مزاعم صدام الحضارات.

أصدر إدوارد سعيد كتاب «الاستشراق» عام ١٩٧٨ ليكتب تاريخًا فكريًا جديدًا، بحيث أصبحت هناك نظرة ما قبل وما بعد الاستشراق، في دراسات الخطاب الثقافي، وفي النظرة إلى الحضارة الغربية وعلاقتها بالشرق الأوسط وحضارات العالم. ومع بدايات الثمانينيات انعطف  تودوروف من دراسات الأدب إلى الفلسفة السياسية، فكان كتابه »نحن والآخر« ثم  «فتح أمريكا..مسألة الآخر» عام ١٩٨٢نافضًا الغبار عن الحضارات العريقة التي كانت مستقرة في الأمريكتين: حضارات الإنكا والآزتك والمايا، التي أنكرها المستوطنون الأوروبيون بادعاء همجية الشعوب الأصلية. تتبع تودوروف خطاب كريستوفر كولومبس ورؤيته الدينية التي رسمها للسكان الأصليين، وشهادات للهنود الحمر، والشواهد الحضارية الباقية، ليفضح عملية «شيطنة الهنود الحمر» التي لجأ إليها الغزاة الغربيون لتبرير إبادة هذه المخلوقات الغريبة التي تحمل عينًا ثالثة في جبهتها!

هذا الاختراع لصورة الآخر، وتصويره في صورة وحشية أو تأثيمه دينيًا، هو الأساس الذي تبني عليه حركات الهيمنة سواءً كانت استعمارًا أجنبيًا أو تغليبًا لعرق أو دين على عرق أو دين آخر في مكونات نسيج وطني.

وقد تابع المفكر المهموم بوحدة البشرية وتنوعها دراساته التي تنصب كلها حول «مسألة الآخر» وهو ما ظل يفعله إدوارد سعيد ونعوم تشوميسكي، كل بطريقته، وكل من هذه القامات الثلاث يلح على أن القبول بالآخر يوفر على البشرية الكثير من الآلام.

تودوروف، كان في مقدمة الرافضين لغزو العراق وتدخل الناتو في يوغسلافيا، مستمرًا في تقليب الأفكار الغربية الخطرة، وعلى رأسها فكرة «صدام الحضارات» التي سوغت التدخلات الغربية في الدول الأخرى تحت مزاعم نشر الديمقراطية أو مواجهة التطرف الإسلامي الذي تغذى وترعرع بفعل هذه التدخلات نفسها، منتقدًا البربرية الغربية الناشئة عن فكرة الخوف من البرابرة. في كتابه «أعداء الديمقراطية الحميمون» ينتقد تودوروف انحرافات الديمقراطية الغربية التي أوصلتها إلى طريق مسدود، ظهرت علاماته في تقدم اليمين والخوف من الأجانب.

مثلما ينتقد تودوروف انبساط المنتصرين وتمددهم، كان ينتقد انغلاق المهزومين وتقوقعهم. في رأيه أن عيب الحضارات التي تعرضت للإبادة في الأمريكتين كان انغلاقها على نفسها. وفي موته الفادح ظهر واضحًا انكفاء الإعلام المصري على الخناقات الصغيرة في الحارة المزنوقة، بعيدًا عن الثقافة، وبعيدًا عن العالم.

ـــــــ

المقال على موقع الجريدة:

http://www.almasryalyoum.com/editor/details/999