للطفولة فضائل متعددة تجعل حتى أصحاب الطفولة المعذبة يحنون إلى طفولتهم و يتمنون العودة إليها ، ومن هذه الفضائل .. فضيلة الاستماع إلى ” أبله فضيلة في غنوة و حدوتة ” . وكثيرا ما يضبط الكبار أنفسهم متلبثين بالاستماع إلى صوتها الذي يعيدهم إلى أقرب نقطة من رحم الأم .
و أبلة فضيلة هي شقيقة الفنانة القديرة محسنة توفيق و قد أحسن الله على الأختين بالعديد من الهبات و منها هبة الصوت . و في حين اختار لصوت محسنة التأثير بالحزن ، جعل الحنان و المرح صفة لصوت فضيلة في مركب غريب من رقة الأمومة و شقاوة الطفولة .
***
الرقة جعلتها تبتعد عن دراسة الطب لأنها لا تقوى على رؤية الدماء ، وكانت أمنيتها أن تدخل كلية الآداب و لكن معارضة الأهل قادتها إلى الحقوق التي تخرجت منها عام 1915 و بعد فترة تدريب قصيرة اكتشفت أن هروبها من دماء الجراحة في الطب أوصلها إلى دماء العنف من خلال القضايا التي ستترافع فيها أمام المحاكم ، فتقدمت للعمل بالإذاعة عام 1952 و نجحت في الامتحان ، و التقط الرواد العظام كنز الطفولة المكنون في صوتها فألحقوها بالعمل مع بابا شارو في برامج الأطفال ، و في عام 1958 بدأت بتقديم ركن الأطفال بمفردها .
و بالشقاوة الكامنة في صوتها استطاعت أن تجتذب قلوب ملايين الأطفال الذين شعروا أن المذيعة التي تخاطبهم طفله مثلهم ؛ لا تمتاز عليهم بشيء سوى انها سبقتهم في الوصول إلى الحياة .
و من اطرف ما قابلته أبلة فضيلة أنها تلقت رسالة ذات يوم من زميل دراسة يقول فيها : ” إذا كانت أبلة فضيلة التي أستمع إليها هي نفس زميلتي فضيلة توفيق فإنه لا يملك إلا الشعور بالأسف من أجلها لأنها تضيع ليسانس الحقوق مع شوية عيال ” و لم تتأثر بهذه الرسالة لأنها كانت قررت أن تجعل الأطفال قضية حياتها .
***
و رغم أن هذه الأم الحقيقية الحساسة هى الأكثر استحقاقا للقب ” ماما ” إلا أنها لم تقرر الاستيلاء على أطفال الآخرين فاكتفت بلقب ” أبله ” بدلا من ” ماما ” التي تستخدمها جليسات الأطفال المتنكرات في صورة مذيعات .
و قد عشنا سنوات طويلة ـ على عادتنا في حب إهدار الإمكانيات ـ دون أن نحاول الاستفادة أكثر بالكنـز الذي يتمثل في هذا الكم الضخم و الفذ من مواد الأطفال الجميلة و المقنعة التي قدمتها أبلة فضيلة دون أن نحاول الاستفادة منها بشكل أوسع ، كأن نعيد إنتاجها في أفلام كارتونية تنطق بتعليقها .
و الآن بعد أن أصبح لدينا قناة متخصصة للأسرة و الطفل يبدو هذا المشروع أكثر إلحاحا لتحصين أطفالنا ضد غزو المتلاعبين بالعقول من منتجي البرامج الأجنبية ؛ و لابد أن نفعل ذلك ليبقي صوت أبلة فضيلة رصيدا من الحنان من حق الأجيال القادمة أن تتمتع به .