سيرة الشهوة والورع

فرصتنا الأولى في الخلود أضاعها الأبوان عندما أكلا من الشجرة المحرمة، بينما جاءت فرصة الخلود الثانية من الماء وضاعت كذلك بسبب غواية الماء. 

بعد كفاح أسطوري، يحصل جلجامش على عشبة الخلود من قاع بحر دلمون، وفي طريق عودته إلى أوروك ينزل النهر ليستحم فتأتي حية وتأكل العشبة! لكن الملحمة السومرية لم تعتبر جلجامش مذنبًا، إذ يكفيه بؤسًا أن الموت صار له نصيبًا. 

ضياع الفرصة الأخيرة للخلود بسبب ولع الاستحمام لم يحمل الإنسان على الخوف من الحمّام، لكنه، وبنوع من العناد الذي تتميز به إرادة الحياة، اتخذ من بيت الداء مكانًا للاستشفاء من مرض الزوال.

 صار الحمّام مكانًا لتكثير الحياة، فهو نقطة البدء لميلاد متكرر بعد الولادة الطبيعية الواحدة. في عديد من الديانات يرمز الغمر في الماء إلى الميلاد من جديد، وفي الوقت نفسه  يقوم الحمام مقام العتبة الضرورية قبل الانخراط في فعل اللذة. 

هو إذًا المكان الذي يعاد فيه تشكيل حياة الإنسان سواء باتجاه المتعة أو الزهد. ربما يفسر هذا لماذا كان تلويث مياه النيل أحد الكبائر في الديانة المصرية القديمة ولماذا يتقرب الفراعنة إلى النهر بعروس، على أن المصريين لم ينفردوا بهذا الطقس، بل مارسته شعوب أخرى. ويربطه جاستون باشلار  بأنثوية الماء وطهره. بينما يرجع ميرسيا إلياد هذه المكانة المركزية للماء إلى كونه أصل كل حياة، والوجود الذي يسبق كل وجود. وحسب إلياد فإن الغطس في الماء يرمز إلى الارتداد إلى حالة سبقت تشكل الأشكال، بينما يستعيد الطفو فوق الماء فعل الخلق الكوني المتمثل في ظهور الأشكال. وهذا الانمحاء والتشكل لدى الإنسان بالغمر في الماء يشبه ظهور اليابسة بعد الطوفان والغرق الدوري، الذي يعقبه انبعاث الحياة من جزيرة تظهر بصورة فجائية وسط الأمواج. 

هذه هي فلسفة التعميد في المسيحية، ويقول إلياد بأن تيارًا أخذ بالعماد في سورية وفلسطين قبل الميلاد بمئة وخمسين عامًا. كان الأسينيون يمارسون الاغتسال الطقسي أو العماد، لكن اليهودية كانت تكرر ذلك الاغتسال الطقسي بصورة دورية، بينما يتم عند المسيحيين لمرة واحدة. 

ويمكننا وضع طقوس رفع الجنابة الإسلامية، والوضوء للصلوات وغسل الميت في ذات الرمزية: بدء حياة جديدة، خالية من الدنس. وإذا كان الحمام بابًا للخروج من الدنس، فهو باب الدخول الواسعإلى المتعة. بوسعنا استثناء الدوش الصباحي المتعجل في المدينة الحديثة، لكن طقس إعداد الحمام دعوة  لا يفوت الشريك مغزاها.

و لنا أن نثق في حكمة الحكاية؛ حيث يضمن كتاب القص المقدس “ألف ليلة وليلة” هذه المكانة المركزية للحمام، في حالات الشبق وحالات الورع أيضًا. في “الليالي” يمثل الحمام الخطوة الأولى باتجاه الجنس في ترتيب صارم: الاغتسال، فالأكل والشراب، فالتهتك بكل ألوانه. لا يوجد سوى استثناء وحيد في قصة الحمّال والثلاث بنات، إذ بدأت الليلة التاسعة بالطعام والشراب والهراش والبوس والعض والفرك، وعندما بلغت الإثارة مداها بدأت النساء تتناوب على خلع ملابسهن والارتماء في بحرة الماء والإشارة إلى موضع الحياء والسؤال عن اسمه، وكلما أجاب الحمال باسم ضربته على قفاه عقابًا على قلة حيائه، حتى علمنه الأسماء المحتشمة كلها، وجاء دوره في التعري فبدأ يختبرهن بالأسماء الممكنة لشيئه، ولأن الدرس اللغوي طال أكثر من اللازم، أو لأن الحكاية أخرت الحمام إلى ما بعد الطقوس الأخرى، فإن الحمّال لم يظفر بأكثر من هذه الملاعبات إذ دخل القرندلية الثلاثة وبعدهم الخليفة هارون الرشيد ووزيره جعفر.

كثيرًا ما يأتي الخروج إلى “الحمًام” في ألف ليلة علامة على الشفاء؛ يحكي الطبيب اليهودي عن جهوده في علاج الشاب الموصلي على يديه ” ثم جسيت مفاصله وكتبت له ورقة وقعدت أتردد عليه عشرة أيام حتى تعافى ودخل الحمام واغتسل”. 

ويبدو الحمام ابنًا أصيلاً للمدنية العربية، فلا تأتي شهرزاد على ذكر للحمام عندما تبتعد عن القاهرة وبغداد والبصرة ودمشق. 

وبسبب من ألفة الحمام لا تجعله “ألف ليلة” مكانًا للوحشة كما تفعل أفلام الرعب الغربية. وإذا كان لا بد للقصة من عفريت فإنه يخرج من الكنيف، باعتباره بيت النجس، وليس من الحمام مكان التطهر. لكن الحمام كان فأل شؤم ذات مرة؛ ففي حكاية الملك الشاب المسحور الذي خلف أباه في الحكم بعد سبعين عامًا أقامها ملكًا للجزائر السود. ذهبت الزوجة وهي إبنة عمه إلى الحمام، وتركت نفسها عرضة لوشاية الجاريتين اللتين استمع الزوج إليهما تتناجيان بخديعته بينما كان هو نفسه متمددًا يستمتع بتدليل الجاريتين، إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه. وعرف من تناجيهما أن زوجته تخدره كل ليلة وتخرج إلى حيث تخونه مع عبد أسود في خص حقير، حيث تأكل الفئران وتشرب من القوار!

وقد حافظت المدن العربية العريقة على بعض حمّاماتها الموروثة وأحيت عادة الذهاب إلى الحمام بوصفها إشهارًا حسيًا تتعامل معه المدينة والقرية العربية بكل حفاوة. والغريب أن مدينة مثل حلب تتجه إلى التحفظ في الكثير من السلوكيات، بينما تتدعم مكانة الحمام الشعبي ويصبح محور حفلات الزواج بها في السنوات الأخيرة، حيث ألحقت بالحمامات صالات أفراح.

وفي عديد من القرى المصرية لا يزال طقس حمام العريس والعروس مستمرًا؛ ففي عصر يوم الدخلة تشترك الصويحبات في تحميم العروس وإزالة الشعر عن جسمها في بيت أهلها، بينما يذهب العريس في زفة من أصدقائه بالطبل والمزمار والرقص ليتحمم في بيت عمه. هو نوع من إشهار عزوة العائلة، ولكنه أيضًا يشي بأحداث الليلة المقبلة بأكبر قدر من العلانية والاستعراض؛ فعندما يصل إلى بيت العم  تنثر فوق الزفة حبات الكراملة ابتهاجًا والملح حمايةً من الحسد، ليتوجه  الموكب إلى الغرفة التي يتوسطها طشت الاستحمام، حيث يتحلق اللابسون بالعاري يليفونه ويتقاذفون بالماء.

هذا الحمام الطقسي هو الأشهر في حياة صاحبه وصاحبته. حدث تنسيبي كالطهور، يعلن عن توديع صاحبه وصاحبته حياة العزوبية، وهو الإشهار الأول لجسد الأنثى الذي يظل حتى تلك الليلة سرًا طي الكتمان، بينما يتمتع الذكر الريفي منذ البداية بعريه المعلن في حمام الترعة الأكثر خطورة من حمام جلجامش، إذ يجعل الموت نصيبًا واقعيًا لأبناء الريف الذين تنهش البلهارسيا أكبادهم. 

حمام الترعة يبدو احتفال تنصيب بالبلوغ، إذ يبدأ الاستحمام جماعيًا في فترة الصبا. طقوس حمام حقيقي، الصابون هو أوراق نبات العُليق التي يُفرك بها الجسم فتنتج رغوة ليست في وفرة رغوة الشامبو، لكنها رغوة على أية حال. جرن الماء البارد هو الترعة بمائها الوفير الجاري، والجرن الساخن في القناة الضحلة المعروضة للشمس طوال اليوم، والشمس منشفة تكفي الجميع.

حضور حمام النهر في الرواية المصرية والسودانية، خصوصًا لدى الكتاب النازحين من النوبة، الفردوس السابح فوق النهر. في قصة “الوارث” ليحيى الطاهر عبدالله يمثل ماء الترعة مصدر أول رزق للصبي الفقير، كما يمثل مقبرة للعاشقة والعاشق، بعد أن وجدهما الزوج عاريين. وفي “موسم الهجرة إلى الشمال” لا يجد الطيب صالح نهاية لآلام بطله مصطفى سعيد إلا في الماء. أطفأ بموته الغامض نار وحشة بطله الغريب التي لم تطفئها أجساد النساء، وربما أراد أن يطهره. لا تتوقف دعوة الماء للموت من أسطورة أوفيليا إلى واقعية موت فيرجينيا وولف، ولنا أن نستعيد ما فكرت به آنا كارنينا لحظة موتها تحت عجلات القطار: كانت تحلم بنفسها طفلة تقفز في البحيرة. بهذا الحلم العذب أسلمت نفسها لوحش الحديد. ولا يرينا الفيلم المأخوذ عن الرواية اهتراء الجسد الجميل أو تهشم الجمجمة، بل يرمز لانتهاء حياتها بانطفاء الشمعة.  الماء حسب باشلار إغراء دائم بموت عذب. والماء هو العنصر الذي يقتل النار. وهذه الرؤية تنطبق مع أسطورة ريفية مصرية، إذ يرى الفلاح الذي يخرج لري أرضه مساءً ماردًا يقترب منه، يصل السماء بالأرض، وقبل أن ينقض عليه يلقي بنفسه إلى الماء ويثير رذاذًا هائلاً لحظة غرقه.

من رؤى الموت احتفظت السينما للحمام بمكانة متميزة في أفلام الرعب، وهو ما لا نصادفه في الرواية إلا نادرًا. في “مائة عام من العزلة” يتكرر نحس الحمّام، أو غوايته مرتين. مرة عندما سحبت الجميلة البلهاء ريميديوس غريبًا إلي حتفه لحظة تلصصه عليها من قرميدة منزوعة من  سقف الحمام، إذ أثار جنونه جمالها وهدوء جسدها تحت عينيه فعمد إلى توسيع الفتحة بإزلة بلاطتين إضافيتين لكنه اندفع من الفتحة ليسقط على جمجمته. وفي المرة الثانية ترك ماركيز العمة أمارتا تكرر الاستحمام بلا تحفظ أمام ابن أخيها أورليانو خوسيه في البانيو اعتقادًا منها بأنه لم يزل طفلاً، الأمر الذي قادهما فيما بعد إلى مطاردات مسعورة في أرجاء البيت. ويبدو أن بهجة العري المدوخة لا تقتصر على البلدان الحارة؛ فإلفريدا يلنيك تصور في “عازفة البيانو” طالب الطب إبن خال “إريكا” يلقي بنفسه في حوض الاستحمام المليء بمياه جوفية في برودة الثلج ليبرد جسده الفائر، وتتقافز الفتيات حول “الجدع” فيسفر هدف تبريد “الجدع”  إلى إحماء إريكا التي استسلمت له في المصعد، بعد الحمام البارد!

لكن الحمام البارد ينجح أحيانًا في  تثبيط الهمة. ينقل ميرسيا إلياد في “التنسيب والولادات الصوفية”  حكاية ميثولوجية أيرلندية عن الشاب البطل كوشولين ابن أخ الملك الذي طلب من عمه سلاحًا وعربة وتوجه إلى قصر أبناء نيختا الثلاثة، وهم ألد أعداء مملكة ألستر (مملكة عمه) حيث بتر رؤوسهم، وقد عملت هذه المغامرة البطولية على إحماء بدن الفتى، وعلى تزويده بشحنة حرارية هائلة، وقد حذرت الساحرة الملك: “إذا لم تسرع على اتخاذ الإجراءات الاحتياطية فإن الفتى سيقضي على جميع المحاربين في المملكة، وسيبيدهم عن بكرة أبيهم”. عندها فكر الملك بالأمر وأرسل إلى الفتى أفواجًا من النساء العاريات، لم يأبه لهن ، فلم يكن هناك بد من الإتيان بثلاثة دنان من الماء أودع في الأول منها، فانتقلت منه حرارة شديدة حطمت الألواح الخشبية للدن، وفي الدن الثاني ظهرت على السطح فقاعات الغليان، وفي الثالث بلغت الحرارة درجة عالية، تمكن بعض الرجال من احتمالها، وهدأت ثورة الفتى، فمنحوه الثياب.

وإذا كان حمام بارد قد منع هذا الشاب من إراقة الدماء؛ فقد كانت إراقة ماء الاستحمام بالصابون المميز للجنابة مباراة أسبوعية بين نساء الحارة المصرية، خاصة إذا لم تكن تنعم بالسلام.

 طشت الماء كان واحدًا من أهم الأسلحة في الحرب الباردة. عندما ترتكب إحداهن حماقة تعيير جارتها بعلاقات زوجها الخارجية، أو بزواجه من غيرها، أو تُلمِّح إلى ضعفه في مقابل قوة زوجها، فلا يكون من الأخرى إلا الرد بالماء المعطر تريقه بطريقة تجعله يغطي أكبر مساحة ممكنة من الأرض، وتقف بالطشت في يدها تراقب جريان الماء مثل فتوة ثابت في مكانه بجوار دم ضحيته. ولا تدعها الأخريات تنعم بانتصارها، حيث يتوالى خروجهن بطشوت الماء في معزوفة تنتهي بخروج الرجال تباعًا في ملابسهم النظيفة ( البيضاء بنصاعة زرقاء تضيفها الزهرة) إلى صلاة الجمعة، لكن آثار المعركة تظل باقية إلى آخر النهار، وتبلغ ذروتها مع تعامد الشمس على الأرض، حيث يتصاعد البخر وتصنع رائحة الصابون خيمة من الرائحة القوية المهيجة صلبة القوام إلى درجة أنه يمكن لمسها.

لم يكن للصابون المخصص للاستحمام هذا الانتشار الذي له اليوم. كان الناس يستعملون في اغتسالهم الصابون نفسه المستخدم في غسيل الملابس؛ الصابون النابلسي المصنوع من ورق الغار، وقد ظل ينسب إلى نابلس الفلسطينية حتى بعد أن احتلها اليهود وانقطعت تجارتها مع مصر. ظلت تلك المكعبات السوداء غير محكمة الشكل مثل قطع عشوائية من الطين برائحتها التطهيرية الوظيفية المحايدة مسيطرة حتى سنوات قريبة في الريف وفي مستويات فقيرة من المدن، بينما كان الصابون المعطر المستطيل المغلف في ورق مصقول والذي يوصف بأنه” أبوريحة ” وقفًا على الرجال، الذين يتلقون امتيازًا إضافيًا في ملابسهم البيضاء بإضافة الزهرة الزرقاء إلى ماء غسيلها الأخير. 

ليست الكراهية وحدها ما يدفع المرأة إلى التفاخر بحموم زوجها، فربما العكس، أي الحب، هو السبب؛ إذ تبادر المرأة السعيدة إلى إعلان رضاها على رجلها. وهناك من لا تضع الحرب أو السلام في موازينها، ولكنها تحب طقس الاغتسال من الجنابة وتستمتع به، ربما، أكثر من الفعل الموجب له، حيث تمارس أمومتها تجاه رجلها، ابتداء من تسخين الماء وتحضير الملابس النظيفة، ودعك الظهر والمناطق الخفية من جسده، ولا يكتمل هذا الطقس إلا بإشهار الحدث من خلال الماء المراق على الملأ.

الحاجة نبيهة سيدة من هذا النوع.. كانت تستيقظ  قبل آذان الفجر بساعتين في الليالي التي يبيت فيها زوجُها عند ضرتها. تشعل الكانون على حلة الماء حتى تسخن فتحملها مع الصابونة “أم ريحة” والليفة وتخرج إلى بيت الضرة الذي كان على مسافة كبيرة من بيتها، تنقر لهما على الشباك  فتتناول منها المرأة الأخرى الحلة. وتكمن هي تحت الجدار حتى يخرج الرجل لصلاة الفجر فتهب واقفة وتخرج له من جيبها حُق العنبر الذي لم يكن عند ضرتها مثله. ولم تتوقف عن ذلك إلا بعد أن أصيب زوجها بمرض جلدي غامض واتهمتها ضرتها بإيذائه بالسحر والأعمال الشريرة التي تضعها في الماء.

وإذا كانت هذه الزوجة قد خسرت زوجها بسبب ولعها بطقس الاغتسال وملاحقته به في المكان غير المناسب، فإن ذاكرتي لا تزال تختزن في حافظات الطفولة التي لم يصبها العطب قصة أخرى خسر فيها رجلٌ عقله بعد أن خسر امرأة من هذا النوع.

 لم أزل أتذكر مشهد الأرمل الشاب المكلوم في جنازة زوجته، كان يهذي بأكثر أسرارهما حميمية. وقد وفر له الطريق الطويل إلى المقابر الفرصة ليحكي وقائع شديدة الطول، لإقناع المشيعين بمدى ذكائها، ومن علامات ذلك الذكاء أنها لم تكن كثيرة الثرثرة أو السؤال عما لا يعنيها إذا رأته مهموما. فقط كانت تشعل النار تحت حلة الماء، والباقي معروف؛ ففي الوقت اللازم لتسخين الماء يسعى إلى دفن حزنه فيها وتتلقاه هي وتمتصه بكل أريحية وخبرة حجام محترف. بعد ذلك تُليِّفه تحت قصف الماء الساخن لتسقط عنه ما قد يتبقى عالقًا بجسده من أثر للهم. وقد استطاع بتلك القصة الطويلة نسبيًا على ظروف التدافع والزحام أن يشق صف المشيعين، بين حزين مشفق، ومتبسم يكتم ضحكته، وحاسد له على أيامه التي عاشها مع الراحلة الخبيرة.

ما كان جميع المشيعين يعرفونه دون أن ينوه به الزوج، هو أن الراحلة لم تكن ذات ميول استعراضية في مجال إراقة ماء الاستحمام، ولا ينبغي  لامرأة حكيمة أن تلجأ إلى هذا الإجراء الخطر، إذ إن حرب المياه لم تكن دائما في صالح من تجنح إليها وخاصة إذا لم تكن واثقة في سلامة جبهتها الداخلية؛ فقد تتحول القوة التي أرادتها غيظًا للأعادي إلى قوة إغواء تدفع بالأرامل والمطلقات والمنكوبات في صلابة رجالهن تحت قدمي الرجل الأكثر إنتاجًا لهذه الفضلات المباركة!

 على أية حال؛ كان هذا زمنًا ولى بدخول أنابيب الماء والصرف الصحي إلى البيوت واستخدام كل من هب ودب للصابون ذي الرائحة وأنواع الشامبو واختراع سخانات المياه؛ باختصار:بدخول العصر السيراميكي للحمامات التي يراق فيها ماء الحموم بلا كرامة إلى بالوعات خفية تلتقي فيها مياه الشقق المختلفة، ولا تستطيع فيها أن تميز ماء الجنابة من ماء غسيل سراويل الأطفال!

———-

الأيك، الفصل المزًًُاد في الطبعة الثانية- دار التنوير.