في رواية «صحراء التتار» للإيطالي دينو بوتزاتي، يلتحق الملازم جيوفاني دروجو بالخدمة في حصن يطل على صحراء منسية شديدة الوعورة لا يمكن لعدو أن يقطعها أو يهاجم الحصن من جهتها. وبينما يعيش الجنود والضباط الآخرون حياتهم الرتيبة في الحصن يعاني جيوفاني من فوبيا هجوم وشيك، وتنتهي حياته في انتظار العدو الذي لا يجيئ.
للفوبيا Phobia ترجمة عربية دقيقة هي «الرُهاب» وهو مرض نفسي يتعلق بالخوف المبالغ فيه وغير المبرر من خطر غير موجود في الحقيقة، ومن نماذجه المعروفة رهاب الأدوار العليا، رهاب الماء، ورهاب الأماكن المغلقة.
وقد أضاف الرئيس السيسي فوبيا جديدة «فوبيا ضد إسقاط الدولة» التي وجه بضرورة نشرها بين المواطنين. ومن الواضح أن التوجيه ليس عفو الخاطر، لأن الموضوع كان أحد محاور مؤتمر الشباب. وسيحفظ التاريخ للرئيس السيسي فضيلة الصراحة، فهو لم يستخدم الالتفافات المعتادة التي استخدمها قادة آخرون. لم يقل مثلاً بـ «تبصير الشعب» أو «توعية» أو حتى «توجيه الشعب» وإنما قال صراحة: «نشر الفوبيا» رافعًا برقع التخفي عن الإعلام، الذي طالما قاد تنفيذ توجيهات سرية بنشر أنواع أخرى من الرهاب.
خذ مثلاً رهاب أمريكا التي تملك ٩٩٪ من أوراق اللعبة، وهذا ليس صحيحًا إلا في خيال السادات الذي أراد تمرير الصلح مع إسرائيل، بينما تثبت دولة مثل كوبا تشبه الحصاة تحت مقعدة أمريكا أن هذا الخوف غير مبرر، وهو ما تثبته كل يوم كوريا الشمالية وإيران، وحتى تركيا التي توجد على أرضها قاعدة أمريكية.
نسبة كبيرة من المصريين انطلى عليهم الرهاب الساداتي، الذي تولت نشره أجيال أكفأ من الإعلاميين. ولم يأت السلام بالرخاء، لكنه جاء بجيل الشحاتين الذين وتمكنوا من نشر رهاب الخوف من الفقر، ورهاب زيادة السكان، مصحوبًا بإعجاب بالثروة الخليجية ليتصاعد الرهاب إلى حد الافتتان بالاقتصاد الريعي، قبل أن تبدأ قسمة الخليج إلى فسطاطين أحدهما من شيعتنا والآخر من عدونا!
ورغم أن شيعتنا أكبر من عدونا، لم يتأخر الإعلام عن البدء بخطة إثارة فوبيا سقوط الدولة. أطلقت صحف حملة «تثبيت الدولة» وعضت أخرى جمعيات حقوق الإنسان، بينما فتحت قنوات تليفزيونية دروسًا مجانية في كشف ألاعيب إفشال الدولة. الإعلام المنخرط في المهمة لم يدرك بعد أنه صار ضعيفًا كالعفريت العجوز الجالس على جانب الطريق يستجدي شابًا تصادف مروره في الظلام:«خد إيدي يا ابني عشان أقوم أخوفك» وهذا من حسن حظ البلاد، لأن إثارة الفوبيا لدى شعب أخطر من إثارتها لدى ملازم أول أو حتى لدى كتيبة مرابضة في حصن مهجور.
لم يخسر العالم كثيرًا بسبب فوبيا الملازم جيوفاني دروجو. حياة واحدة هي التي فسدت بسبب الرعب الذي حمله الملازم في داخله، بينما تصبح الفوبيا سمًا قاتلاً عندما تنتشر في مجتمع يضم قوى مختلفة متضاربة المصالح، بعضها سيتشجع بالشائعة ويرتكب العنف، وبعضها سيتملكه الجشع، والبعض سيحتفظ بأمواله تحت البلاطة، ولن يرتدع عدو عن ضرب دولة خائفة ولن يحترم صديق دولة تعاني الرهاب، ولن يأتي سائح ليتلقى الخدمة من أيد مرتعشة.
باختصار، عندما يسري سم الرهاب بين السكان يصبح سقوط الدولة حقيقة لا خيالا!