شعر: زكريا محمد
الأشياء الكبيرة تتساقط مثل البيض وتنكسر: الحب، الصداقة، الإيمان.
الأفضل للإنسان أن يبتعد ما أمكنه عن الأشياء الكبيرة. أن يوطن نفسه على العيش من دونها. هذا ليس سهلا بالطبع، لكنه ممكن في نهاية الأمر. الحشيش يساعد على هذا. يجلس الواحد على كرسي أو حجر ما ويدخن، فتخرج الأشياء الكبيرة من رأسه وتصير دخانا. الأشياء الكبيرة دخان أزرق.
في ما يخصني، فقد كانت لدي صخرة كبيرة أقعد عليها وأدخن. وطوال سنوات حوّلت كل الأشياء الكبيرة في رأسي، كل الأوهام، إلى دخان.
بقي وهم واحد كبير ما زلت أضن به: الشعر.
لست أدري إن كنت سأطرده يوما ما من دماغي بنفسين من حشيش فوق الصخرة.
8-8-2015
وضعت يدي على النجوم السبعة لكوكبة الثريا، على المفتاح، وعلى اللبن الخثير. فاليأس يجعل يد المرء تخبط خبط عشواء.
واليأس كما تعلمون حديقة سرية لا يُعبر إليها من بابها. نتسلق الجدار ثم نسقط فيها ونأكل من ثمارها. أين قرأت هذا؟ كل ما كتبته كنت قد قرأته من قبل. وكل باب دخلت منه كنت قد خرجت منه أصلا.
أنت الذي ورطني في كل هذا. أنت الذي رسم لي طرقي، وزرع لي القمل في مفرقي. أعطني يدك البيضاء كي أبصق فيها. أعطني كبدك اللعينة كي آكلها.
المحبة بيضة نيئة تكسر بالقبضة، والكره زلط صلب لا يكسر.
استلقيت في حديقة اليأس الوسيعة على ظهري، ووضعت فمي تحت الأطباء السبعة لكلبة الثريا. الحليب يتقطّر ولا يروي. شفتي المقشورة لا ترتوي أبدا.
من منكم يخبرني أين قرأت هذا؟ من منكم يشفيني من يأسي؟
21-11-2014
تك.. أضرب مفتاح النور على الحائط، وأرمي العتمة في كيس زبالة.
تك.. أضغط على الريموت كونترول وأنهي الصمت. أخفيه تحت السجادة.
تك.. تك..
اسمعوا جيدا: ضربة واحدة وينخسف العالم. أستطيع أن أحضر المسيح نفسه بضربة زرّ، وأن أصلبه بضربة أخرى. الشعر أيضا ضربة زرّ. لم أكن أنوي أن أهينكم بقولي، لكن هذه هي الحقيقة.
تك.. الماء يقطر في الصنبور.
تك.. حمار الوحش يقتل بطلقة تحت الكثيب.
تك.. لا تصلح التجربة ولا يصلح سردها.
تك… عيني كبيرة كأنها طبق، وفمي يقطر أسماكا ميتة.
26-1-2015
فتحت فمي، مثل موسى الطفل، ومضغت الجمرة. سوف ألثغ بعد اليوم بالحرف. فمي سيغلط باسم الزهرة، ويدي ستخطئ الثمرة. لذلك سأستند إلى الصرخات. لي صرخة طالعة من أعماق الكهوف. سأطرد بها الحياة والموت معا. سأجري وراءهما كأنني أجري وراء ماموث.
عيناي حيتان مترحّيتان. وشعري يتهدل مثل شعور الغيلان.
أمنّ بالخبزة على الحياة، وأمنّ بالصرخة على الموت.
وعند الشدة أكشف للسماء رأسي. الموت أرحم حين تسقط نجمة على رأسي. حين تكسر فأس رهيبة فأسي.
26-3-2015
لعلمكَ، أنا لست مالك الحزين، أنا مالك مرج بن عامر كله بما فيه من قمح وشعير ونحل ويعاسيب. متى أردت سيجتُه بالصبار، ومتى رغبت قطعتُ طرق القوافل فيه.
لا يوجد حجر لم يغف عليه رأسي، ولا وتر لم أخنق به صيدي. الشِعر صمّام أمانٍ عندي. لكنني أهجره أحيانا كما يهجر حرّاث يائس سكته وسط الثلم ويمضي.
والشيء الوحيد الذي أثق فيه هو عصبة خضراء على جبيني. شدّي يا عصبة على دماغي، واطفحي يا حصبة على جسدي.
الحديد في النار، والعجين نهود، والنهر الكبير يتدفق بالطمي.
أنا أؤبر نخلي بيدي، وأعلف حصاني بكفي.
فقط لا تأخذني بمقصدي. فأنا أكتب أصلا كي أعرف مقصدي. ولا تأخذني كذلك بقصيدتي. خذني بذيلها الذي يسحبني إلى حيث لا أدري.
الذي وضع الجمرة في فمي وحده من يُسأل عما تأتي به لثغتي.
“““`
من ديوان «حقل الخردل»