صولو الخليفة الليلة

تقيم دار بدائل للنشر (مساء الخميس١٤ سبتمبر) حفل توقيع ومناقشة المجموعة القصصية  صولو الخليفة يدير الندوة الكاتبة ضحى عاصي ويناقش المجموعة دكتور صلاح السيروي والدكتور طلعت شاهين  تتكون المجموعة من 18 قصة قصيرة

يدور القسم الأول صولو الخليفة حول السارد طفلا  ثم كهلا ونظرتة لواقع فى شارع الخليفة بعد أربعين عاما ليري نفس الأماكن والواقائع  برؤية أخرى والقسم الثانى بعنوان قبل وبعد ويرصدأثر العولمة فى وتجلياتها فى حياة البشر

المجموعة هى السادسة للكاتب شريف عبد المجيد  بعد مجموعات مقطع جديد لأسطورة قديمة خدمات ما بعد البيع فرق توقيت جريمة كاملة  تاكسي أبيض الكاتب له أيضا مجموعة من الكتب المصورة  وحصل على العديد من الجوائز منها جائزة ساويريس لشباب الأدباء  أفضل مجموعة قصصية عام 2008 وجائزة أفضل كتاب فني فى معرض القاهرة الدولي للكتاب عانم 2012وتقام الندوة فى تمام السابعة مساء اليوم الخميس، وهنا إحدى قصص المجموعة:

توك شو

وصلت العربة التى ستقلها من ميدان عبد المنعم رياض إلى الاستوديو فى تمام الخامسة مساء قبل بدء البرنامج الشهير بساعتين. كانت التجهيزات تجرى على قدم وساق تجهيز؛ الإضاءة وتحضير الديكورات والبنارات والكرين، صار المكان كخلية نحل عمال الصوت يختبرون الميكسرات وعمال الإضاءة يضعون الفلاتر فوق علب الإضاءة الكبيرة ويضعون الكاميرات وفق التصور الذى أعده مدير التصوير والمصورون يجهزون الكاميرات على وضع بدء التصوير ومساعدو الإخراج يحددون أماكن جلوس الضيوف.

وها هى  تقف بجوار زملائها من الذين سيجلسون وكأنهم جمهور حضر للبرنامج  عملت فى هذه المهنة منذ سنتين بتوصية من عم كمال مطرب الخليفة المتقاعد وجارهم الذى يعمل أحد أبنائه فى مجال الإخراج، ما زلت تذكر عندما جاءت لابن عم كمال الذى وصى عليها تليفونيا وطلب من ولده أن يساعدها لأنها فتاة موهوبة قال لها إن العمل فى الفن أمر صعب، وذكرته بأن الفنان نور الشريف ابن شارع الخليفة بدأ كذلك بأدوار صغيرة حتى صار واحدًا من أهم نجوم السينما العربية، أخبرها بأن الظروف تغيرت ولم يعد أحد يساعد أحد.

والمتاح أمامه هو عملها فى البرامج وهو عمل مريح ويجعلها قريبة من الأضواء وكل المطلوب منها أن تصفق وتجلس وسط الجمهور وتتفاعل وفق إشارات الشخص الذى يقف فى المنطقة العمياء خلف الكاميرات، عندما يشير لهم بعلامة معينة فإنها تصفق وعندما يشير لهم بطريقة أخرى تضحك أو تصفر تعمل ثمانى ساعات فى الاستوديو وتحصل فى النهاية على وجبة فاخرة ومبلغ مائة جنيه، وإذا اهتمت بمظهرها فيمكنها الحصول على أجر مائة وخمسين جنيهًا، وذلك غير المواصلات من مدينة الإنتاج الإعلامى وحتى التحرير على حساب البرنامج أما المواصلات من التحرير إلى بيتها فى الخليفة فلن تكلفها شيئًا؛ لأنها مسافة قريبة. فكرت وقررت أن تنتهز الفرصة فالفرصة لا تأتى إلا مرة واحدة كما يقولون لها فى كل مكان  على الرغم من أن هذه المقولة دائمًا ما يتم استغلال طموحها وتخفيض أجرها بعدما توافق عليها.

كان يحدوها الأمل فى أن يراها مخرج سينمائى ويستعين بها فى أحد الأدوار  وبذكائها الفطرى أتقنت العمل الذى كانت تراه سهلًا جدًّا، وصارت تطلب بالاسم

 كجمهور فى معظم برامج التوك شو ليس ذلك فحسب بل إنها تفوقت على نفسها

وصارت أحيانًا تقوم بدور المتصلة صاحبة المشكلة فى بعض البرامج المسجلة،  خاصة التى يصور منها ثلاثون حلقة لرمضان وأدت بعض الأدوار الصغيرة فى مسلسلات رمضان كأن تمر من أمام البطل والبطلة فى الحارة التى تدور فيها أحداث الفيلم، وأحيانا تجلس خلف طاولة الحبيبين فى الكافتيريا أو عندما يجلس الأبطال فى ملهى ليلى أو كازينو  فهى تجلس فى إحدى الطاولات مع شخص يبدو وكأنه حبيبها أو صديقها.

لم تقبل العمل فى مكاتب الريجيسير ولا تتعامل سوى مع الوكالات الحديثة التى تطلب ممثلين أو أصحاب أدوار صغيرة أو جمهور فى برامج توك شو كبيرة، خاصة المكاتب التى فى المهندسين أو فى وسط البلد أو الزمالك وعملت بنصيحة المخرج الشاب ابن عم كمال بأن لا تجلس أبدًا فى مقاهى وسط البلد، خاصة التى يتجمع بها الكومبارس وأنصاف المشهورين فهى لا بد أن تتعامل مع نفسها كنجمة

على المونتير الكبير، بدأ العد التنازلى بعد خروج المذيعة من الكوافير وجلوسها على مقعدها الوثير وشاهدت المذيعة نفسها للمرة العشرين وطلبت ضبط الإضاءة على وجهها ثم على شعرها الذى قررت أن تطلب الكوافير والمكياج ليجروا تعديلات أخيرة على وجهها ولمَ لا وهى أشهر مذيعة توك شو فى مصر وبرنامجها يحقق إعلانات بالملايين، وهى نفسها تحصل على أجر سنوى يتخطى 10 ملايين جنيه.

البرنامج يتكون من ثلاث فقرات؛ الفقرة الأولى مع عالم اجتماع يتحدث حول مشاكل اجتماعية وظواهر يراها فى المجتمع من خلال الحوادث الغريبة التى انتشرت فى الفترة الأخيرة.

الفقرة الثانية مع مطرب كبير زالت عنه الأضواء قليلة وستقوم بعمل مواجهة بينه وبين مطرب مهرجانات، وفى الركن الخاص بالمطبخ سيتم عمل طبق اليوم بناءً على اتصالات المشاهدين على صفحة الفيس بوك فى اليوم السابق، أما الفقرة الثالثة ستكون مع طبيب شهير يتصل به المشاهدون ليقرر لهم بعض العلاجات وتقديم الاستشارات المناسبة، وهو طبيب متخصص فى مرض السرطان ولكنه يجيب عن أسئلة المشاهدين حول جميع الأمراض.

بدأت الفقرة الأولى وهى تفكر، ماذا يمكن أن تفعل لتعبر الخط الفاصل بين الجمهور وبين ضيف البرنامج، والمذيعة؟ فى هذه اللحظة لم تفكر فى النجومية ولكن أن تنبه المذيعة لمشكلة أمها المريضة بالسرطان، فكم من برامج شاركت فيها وهى تعرف أن كل شيء متفق عليه مسبقًا وأن المتصلين فى أحيان كثيرة يعملون بالأجر مثلها،  ولكنها ربما  إذا عبرت ذلك الخط والبرنامج على الهواء ستضطرالمذيعة أن توافق على علاج أمها.

صفق الجميع بعد نهاية الفقرة الأولى وهى لأول مرة لم تستطع أن تجارى الموقف، ولاحظ ذلك المسئول عن الجمهور، وشعرت أنه رآها بعد الفاصل اقترب منها:

  • الأستاذة جاية تعمل إيه معانا؟
  • والله يا باشا أنا نسيت
  • نسيتى؟! ماشى ..  تعالى إنتى. وأشار بيده لفتاة أخرى تجلس فى الصفوف الخلفية.

وأشار لها بأن تجلس فى الصفوف الخلفية

كانت فقرة المطرب قد بدأت بعد العودة من الفاصل وكان عليها أن تصفق وأن تتمايل مع حركة الكاميرات، بينما كانت دموعها تنساب على وجنتيها.

بدأ الفاصل الثانى وكانت هى قد ذهبت للحمام، وتعمدت أن تتأخر وقبل بدء الهواء بثوانى كانت هى مزروعة فى وسط الديكور تقف بين الضيف والمذيعة.

قرر المخرج أن يأخذ الصورة من كاميرا ثانية لا تظهرها وكانت هى تتكلم، ولأنه لا يوجد معها مايك فلم يسمعها الجمهور تكلمت المذيعة مع الضيف وكأنها غير موجودة، ولكنها اقتربت من الضيف جدا فظهرت فى الكادر.

كلمتها المذيعة: أنا عارفة مين اللى خلتك تعملى كدا، أكيد برلنتى مذيعة القناة المنافسة ليا، إنما مهما عملت هفضل أنا أهم مذيعة توك شوك.

 تكلمت المذيعة مع المخرج من خلال الأيربيس وطلبت الخروج لفاصل استثنائى،

تعاطف معها الطبيب ولكنه بعد ما فعلته المذيعة لم يتحرك حتى لا تفشل الحلقة ويخسر المذيعة الشهيرة..

بعد الخروج للفاصل قام المخرج بتعنيفها من خلال الكنترول روم وطلب من مساعديه أن يطردوها خارج الاستوديو.

  • كلمت مدير الإنتاج؟ أمى بتموت ومحتاجة قرار علاج على نفقة الدولة.
  • هى الدولة هتعملكم إيه ولا إيه؟! بطلوا شحاتة بقى.
  • طيب فلوسى أنا عايزة الـ150 جنية بتوعى.
  • مالكيش حاجة عندنا وإحمدى ربنا إنى معملتكيش محضر تعدى على البرنامج.

خرجت من الاستوديو وهى تبكى بينما المذيعة كانت تتكلم فى حلقتها عن المنافسة الشديدة والغيرة والمؤامرات التى تتعرض لها كضريبة على نجاحها، وعن قلبها الطيب الذى سيجعلها تبحث عن الفتاة المندسة على البرنامج لتحاول مساعدتها وسط تصفيق الجماهير المتحمسة..