هل أحد يختلف أن الصحافة الجيدة بمفهومها الشامل، تؤدي الى الثقة، والتي بدورها تمثل رأس المال الحقيقي لأي مؤسسة إعلامية؟
الواقع أن الثقة تمثل أخر قلاع الصحافة الباقية، وهي الميزة التنافسية شبه الوحيدة للصحافة الآن في عصر الإعلام الجديد، ودونها نفقد ذريعة وجودنا، وينتفى لدي أي مستثمر أو ممول الغرض من ضخ المزيد من الأموال في أي محتوى نقدمه.
فمن ذا الذي سيدفع لوسيلة إعلامية فقدت ثقة جمورها، وبالتالي فقدت قدرتها على التأثير.
الأمر أشبه بمنافسة البضائع للمقلدة للأصلية، والوصفات الشعبية للطب الحديث، وكلام النواصي للأحاديث الرسمية التي يمكن توثيقها والرجوع لها وعليها؛ كذلك الأمر بالنسبة للمحتوى الصحفي المحترف مقارنة بتدفق وسرعة المحتوى العشوائي المنبثق من كل حدب وصوب على الإنترنت.
جودة الصحافة كما قلنا ونكرر وسنكرر تمثل طوق انقاذ للمهنة، وأيضا لما تمثله من أهمية لاستقرار المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعالم كله، لذا يجب التشديد على معايير الدقة مع عدم أغفال توظيف الأدوات والتقنيات الحديثة، وهذا ليس من منطلق أسباب مهنية وأخلاقية فقط كما قلنا، ولكن لكي تحافظ الصحافة على أسباب بقائها.
ولكي يكون لا يكون كلام والسلام، هناك معايير أساسية متفق عليها دوليًا لتصنيف عمل صحفي ما على أنه عمل جيد. وهذه المعايير هي:
– الدقة: إحدى المبادئ الهامةِ للمهنة، فالمؤسسات الإعلامية يجِب أن تُكافح دائما لتقديم الوقائع والحقائق كما هي، فمظاهرات غير احتجاجات غير أعمال شغب.
– التوازن: بضمان عدم تأثير انحيازات ومعتقدات المحرر الصحفي على تغطيته، بما يضمن تقديم كل جوانب القصة، وعرض وجهات النظر كافة؛ التوازن يكمن أيضا في محاولة المؤسسة تنحية انحيازتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عندما يتعلق الأمر بنقل الوقائع والحقائق المجردة.
– الكتابة الواضحة والمختصرة: تساعد الصحفي على توصيل قصته بصورة مباشرة بواسطة تبسيط المصطلحات والالفاظ الصعبة التي توصل إجابات 5W+h بسهولة، مع السعي الدائم لإيجاد طرق جديدة لإبلاغ الوقائع والحقائق وتوضيحها للجمهور ( صور، فيديو، جرافيكس).
– تركيز القصة: يقولون “لا تحاول أن تحكي عن كل نيوزيلندا”. اختر أهم جوانب القصة، عن طريق فكرة مركزية تهم الجمهور، على أن يتم تقديمها في نقاط محدودة واضحة بإيقاع سريع مباشر يراعي قاعدة الهرم المقلوب خاصة في الأخبار العاجلة.
– تنويع المصادر: لكل خبر عدد من الاطراف الفاعلة التي تحمل وجهات نظر مختلفة، الكتابة الصحفية الجيدة هي التي تراعي وجود مصادر معلومة، تمثل كل الأطراف الفاعلة في الخبر.
– السياق: بعرض السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يجعل الخبر مفهوما وذو معنى للقراء.
– أن تسمع لجمهورك.. متى أخر مرة قامت فيها مؤسسة إعلامية بجمع عينة من جمهورها والاستماع إليه Focus Group ، أو تحليل تعليقات وردود فعل جمهورها على ما تقدمه؟!
هذا ليس على سبيل الترف، فكيف يمكن أن تضمن مؤسسة أنها على الطريق الصحيح دون أن تنصت جيدا لانطباعات وتعليقات جمهورها، والأمر يمكن أن يكون بشكل دوري، أسبوعي أو شهري، ليتخذ مثلا شكل “نادي الجمهور لصحيفة كذا…”، وتقدم لهم الحوافز والتخفيضات لتشجيعهم على استدامه التواصل.
فوائد هذه المناخ ليس فقط للتواصل المباشر مع الجمهور، ولكن يكن توظيفه كحائط صد للتعامل مع أي حملات مغرضة على أي مؤسسة إعلامية، طالما كانت تراعى القواعد المهنية وحق الناس في أن تعرف.
قبل شهر تقريبا أطلق النادي الإعلامي التابع للمعهد الدنماركي المصري للحوار، “دليل الأمبودسمان” وهي وظيفة صحيفة عرفها العالم قبل 40 عاما، وتأتي في إطار التنظيم الذاتي للصحافة، والأمر أشبه بخدمة العملاء ولكن في المجال الصحفي، حيث يقوم هذا “الأمبودسمان” بالاستماع لشكاوى الجمهور من أي محتوى صحفي ينشر، وهو معني بمتابعتها والرد عليها.
هذه الفكرة وغيرها من الأفكار يمكنها أن تساهم في إعادة جسور الثقة بين الإعلام وجمهوره.
الاعتذار.. لا توجد مؤسسة إعلامية لا ترتكب الأخطاء، بداية من أخطاء اللغة وحتى أخطاء الصياغة وصولا إلى الأخطاء المهنية، وجود آليه واضحة للاعتراف بالخطأ مع السعي لعدم تكراره، سياسة أثبتت نجاحها في أغلب الأحوال، وتزيد من مساحة الثقة والاحترام بين المؤسسة الإعلامية وجمهورها.
العين الثانية التي تراجع وتدقق، لمنع هجوم العين الثالثة… وخاصة في قضايا حساسة، مثل الحوادث الارهابية، أو قضايا الفتنة الطائفية، أو حالات الوفاة، فلا يعقل أن تكون قصة مثل وفاة المشاهير على ما تأخذه من شعبية وانتشار ولا تطبق عليها معايير مراجعة دقيقة، ومن أكثر من مصدر موثوق.
تطبيق معيار المراجعة والتدقيق، يمكن أن تكون بإعلان بسيط في صالة التحرير، يقول أن هذا النوع من القصص الصحفية…… يجب أن يمر بمراحل مراجعة ضعف ما تمر به القصص العادية، فأي قيمة ستكتسبها مؤسسة إعلامية أذا قيل عنها أنها الأسرع، ولكنها أيضا الأقل في المصداقية ؟!
التدريب.. واحدة من الطرق الأساسية التي يمكن أن تضمن بها المؤسسات الإعلامية أنها حريصة على جودة المحتوى الذي تقدمه للجمهور، وكيف يمكن أن يحدث ذلك دون أن تكون هناك منظومة ثابتة ومحترفة لتدريب عناصر الفريق؟!
الأدوات، هناك العشرات من الأدوات، التي يمكن بها التيقن من صدق هذه التصريحات، أو أن هذا الحساب على فيس بوك يمثل هذا المصدر، أو أن هذا الفيديو أو هذه الصورة تمثل هذا الحدث أم أنها مفبركة.
باختصار الصحافة كما نعرفها تغيرت تمامًا، كما قال كيفين مارش في صحيفة جارديان عام 2010، والأخبار كما نعرفها اختلفت بسبب قيام فيس بوك بابتلاعها، وهذا يعنى أننا يجب أن نتمسك بأسباب البقاء، وأولها، وأهمها زرع “الثقة.. الثقة.. الثقة”.
إعداد: خالد البرماوي
عن موقع منتدى المحررين المصريين